مثلت المسيرة المهنية لـ«الأستاذ» محمد حسنين هيكل قبلة ونموذجًا فذًّا يخايل أجيالًا متعاقبة من الصحفيين، حيث عاش الراحل الكبير كشاهد على ٧٠ عامًا من أحرج وأهم سنوات التاريخ المصري بنجاحاتها وثوراتها وانتصاراتها وكبواتها، وفي بعض الأحيان كشريك أو مستشار أو صديق ناصح في صُنع القرار.
«هيكل»، المولود في الثالث والعشرين من سبتمبر ١٩٢٣، بدأ عمله الصحفي في فبراير ١٩٤٢ولم تقتصر مهاراته وتميزه بمجال تخصصه فقط، إنما هو نموذج للصحفي الموسوعي الواسع الثقافة، النهم للمعرفة، ويتضح هذا جلياً في كتاباته وأحاديثه على الفضائيات وكتاباته، فهو محلل ومؤرخ وحافظ عجيب للشعر العربي، وقارئ بروح الباحث للتاريخ الإنساني، وكاتب بروح السرد بمذاق أدبي، يدلل على ما يقول بأبيات من الشعر أو يقدم المقاربات التاريخية، كاتب لا يعيش فصامًا معرفيًا وقد بدأ مسيرته المهنية من الملكية إلى أن كان شاهدا على ثورة يوليو ورفيقا ومستشارا لقائدها، وصولا إلى ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وما استتبعها من انعطافات حدثية مهمة ومتلاحقة.
وكان في ٢٠٠٤ قد كتب مقالا بعنوان «استئذان في الانصراف» يعلن فيه انتقاله من متن الحياة العامة إلى هامشها الخاص وكان هيكل صديقًا أمينًا لعبدالناصر ومنظّرًا لمواثيقه وخطابه القومي، وبعد سنوات قليلة من التوافق السياسي مع السادات تحول ناقدًا له واختلف معه وغادر الأهرام في ٢ فبراير ١٩٧٤، وفي عهد مبارك تعرضت مقالاته للمنع وقدم له «روشتة علاج سياسي»، لم يستفد منها مبارك، وقد نشرناها في «المصري اليوم» على حلقات.
أما عن باقي محطات حياته في إشارات سريعة، فتقول إن أول كتاب صدر له كان في ١٩٥١ وهو كتاب «إيران فوق بركان»، وفي ١٩٥٧ بدأ عمله في الأهرام وكان أول عدد يصدر تحت رئاسة تحريره في ١ أغسطس ١٩٥٨، وفي ١٩٦٨ أسس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بتشجيع من الرئيس عبدالناصر وفي ١٩٧٠عين وزيرا للإعلام، ثم أضيفت إليه وزارة الخارجية لفترة أسبوعين في غياب وزيرها الأصلي محمود رياض.
وفي ١٩٧٤ أصدر الرئيس السادات قرارا في ٢ فبراير بأن ينتقل الأستاذ هيكل من صحيفة الأهرام إلى قصر عابدين مستشارا لرئيس الجمهورية، واعتذر الأستاذ وخرج من جريدة الأهرام لآخر مرة السبت ٢ فبراير ١٩٧٤ وكان قد ظهر أول مقال له في جريدة الأهرام تحت عنوان «بصراحة» ١٠ أغسطس ١٩٥٧بعنوان «السر الحقيقي في مشكلة عُمان» وكان آخر مقال ١ فبراير ١٩٧٤ بعنوان «الظلال.. والبريق».
وكان الأستاذ أعلن اعتزال الكتابة المنتظمة والعمل الصحفي في الثالث والعشرين من سبتمبر عام ٢٠٠٣م، بعد أن أتم عامه الثمانين وكان وقتها يكتب في مجلة «وجهات نظر» لكنه ظل يسهم في إلقاء الضوء بالتحليل والدراسة على تاريخ العرب المعاصر الوثيق الصلة بالواقع الراهن مستخدما منبرا جديدا غير الصحف والكتب، تمثل في شاشة الفضائيات وقد توفي «زي النهارده» في ١٧ فبراير ٢٠١٦.