اجلدوها وحاكموها ولا ترحموها.. أخطأت، سخرت، تجاوزت، فهل يسكت الناس؟ طبعاً لا، ولكن دعونا نَعُد بالشريط قليلاً إلى الوراء، ونتمهل ونحن نمشي في «هوجة» الانتفاضة العارمة التي جاءت كرد فعل على ما قالته الفنانة شيرين عبدالوهاب، ويظهر جلياً في فيديو انتشر سريعاً، حيث تطلب إحدى معجباتها منها غناء «ما شربتش من نيلها»، وبدل الاستجابة، تعلق شيرين بسخرية واضحة: «هيجيلك بلهارسيا، اشربي إيفيان أحسن».
أخطأت شيرين؟ كثيراً وبحق وطنها أولاً، ولا بد من قول «ولكن» قبل أن يندفع المرء خلف أحكام مطلقة معها أو ضدها.. هي ليست المرة الأولى التي ترتكب فيها حماقة وتفقد السيطرة على لسانها مباشرة أمام الجمهور. ومن كثرة أخطائها، صرنا نتوقع منها أي شيء وفي أي وقت، وكأننا نعرفها أكثر مما تعرف نفسها. وفي كل مرة تعتذر وتتراجع، لكن الدرس لا يعدل مسار لسانها، ولا يفرمل تهورها، ولا يضعها على أول طريق الحكمة في التعامل مع الجمهور، والتمييز بين الأهواء الشخصية وبين الظهور العلني وتمثيل البلد والفن أمام العالم.
حاسبوها، حاكموها، اجلدوها مليون مرة، بردودكم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد فعلتم، لكن تمهلوا قليلاً قبل أن تعلقوا المشنقة لإعدامها فنياً، لأن شيرين ليست إلا ابنة هذا الجيل المولود في زمن ضياع الكثير من القيم، والتحرر من قيود الأدب في معايير الفن والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. ليست وحدها مذنبة، فكل الوسائل اليوم تسمح لها ولغيرها بالتحرر من قواميس آداب الحوار والوقوف أمام الجمهور. ابنة جيل فَقَد بوصلته إلى «المُثل العليا»، فلم يستطع بدوره أن يكون مثالاً يمكن أن يُحتذى به..
بالماضي، كان الفنان ملزماً بالظهور بملابس رسمية لائقة.. اليوم، نرى فنانات يمارسن الإغراء على المسرح، والأمور تمشي «عادي». فنانات يرتدين ما يشبه قمصان النوم أمام آلاف المعجبين من المراهقين والمراهقات، في حفلات جامعية أو مهرجانات، وكل شيء مباح و.. «عادي». حفلة شذوذ يعترض عليها البعض، لكنها في النهاية استطاعت أن تجمع الشباب حولها وتمت كما شاءوا لها أن تكون و.. «عادي». فيديو كليب كل رموزه وكلمات أغنيته وتعابير من يغنيها ويرقص على أنغامها إباحية، والفيديو ينتشر والقنوات تعرضه ليل نهار.. «عادي». فهل علقتم مشنقة أحد من هؤلاء؟ هل منعتموهم ومنعتوهن من الغناء مع أن تأثير ما يفعلونه أشد وأخطر بكثير من كلمة تصدر عن فنانة عن جهل وعدم وعي وشيء من الغرور.
شيرين أخطأت بحق «أم الدنيا»، وبحق نفسها، فهي أثبتت أنها «مؤدية»، تؤدي أغنية اعتبرناها تليق بأرشيف الأغاني الوطنية، بلا أي إحساس! الأغنية بالنسبة لها «بيزنس»، وأداؤها يتطلب بعض التمثيل لا أكثر. هي للأسف كغيرها ممن يجهلون قيمة مصر وما تعنيه لكل عربي، وأنها حلم أهل «بلاد الفرنجة»، كما كانوا يسمونهم. هل تعرفون أن في «بلاد الفرنجة» يتعلمون الكثير في مدارسهم عن الحضارة الفرعونية، ويعرفون عن الأهرامات والمومياء وورق البردى ونهر النيل أكثر مما يعرف البعض منا؟
شيرين أسقطت نفسها بنفسها من عيون الناس، والجمهور عرف كيف يثور ويثأر، فلماذا تقررون إعدامها فنياً؟ هل تحاسبون من يشتمون البلد على مواقع التواصل الاجتماعي ولا يخجلون من استخدام أقذر الألفاظ، ونهر النيل في عيونهم - للأسف - «ساقية تجرف النفايات»؟ هل وقفتم بجرأة يوماً لتمنعوا انحطاطاً وتشويهاً لمصر وأهلها وشوارعها وأحيائها في أفلام سينمائية نخجل أن يراها أبناؤنا، ونخجل أن يراها العالم وهي تحمل توقيع «صنعت في مصر»؟.. حاسبوها قبل أن تجلدوها وتعدموها.