أيتها «الديمقراطية»، لك ألف تحية. باسمك تُرتكب «حماقات»، وباسمكِ تنادي شعوب، وفي ظلك تتحامى دول وحكومات، ومن أجلك يدفع كثر أثماناً غالية وتتدهور أحوال وتتراكم جراح وتُشن حروب.. فبأي حق تتلاعبين بمصائر الناس، وأنت لغز لا يحله إلا من شرّع لك الوجود في الحياة؟
كل يمنح «الديمقراطية» المعنى الذي يشاءه، ويلبسها العباءة التي تناسب مقاسه، ويحتمي بها ليفعل ما يشاء، إنما ما معنى الديمقراطية وما هي حدودها وكيف يمكن تطبيقها؟ يقولون أنه المرادف للحرية، والحرية هي المرادف لـ «أنت حر في كل ما تقول وتفعل، ولا يحق لأحد الاعتراض». إذن هل أنت حقاً ديمقراطي؟
فضفاضة الكلمة، تتسع فيرفعها الناس إلى حيث «اللا حدود»، وإلى اللا سقف واللا ممنوع واللا عيب واللا خطوط حمراء واللا رادع معنوي أو أخلاقي أو وطني.. حتى لم نعد نفهم حقيقة ما هي الديمقراطية، ومن يطبقها وأين نجدها، وعلى مقاس من يتم تفصيلها؟
ستار هي يخفي وراءه البعض سياسته الحقيقية، والبعض الآخر يخفي أهدافه غير البريئة، ويحتمي بها كل من يسعى إلى التدمير والتخطيط للتحرك سراً ضد دولة أو بلد. خلفها يقف أيضاً من يعشقون الاعتراض على كل شيء، وهنا لا نعني المعترض على ظلم أو الساعي إلى تحسين وضع، مقدماً حلولاً يراها جيدة ومناسبة من وجهة نظره. إنما نقصد فئة لا تفعل سوى الاعتراض، من منطلق خالف تُعرف، أو من منطلق نشر التشاؤم وإحباط أي خطة إيجابية وأي عمل ينهض بالدولة ومشروع تزدهر معه الصناعة والتجارة والسياحة، حتى لو كان مشروعاً قومياً يساهم في حل مشاكل الحاضر والمستقبل.
من هؤلاء من يفخر بأنه يقول «لا» طوال الوقت، ويوحي لك بأنه يملك معلومات سرية أنت تجهلها، أو أنك أقل شأناً من أن تفهم أبعادها. لا تسأله عن اسمه أو صفته، يكفي أن المهنة: «معترض»، وأنه إنسان سلبي قرر أن يطفئ كل الأنوار ليرى العتمة والسواد في كل مكان، وينقل سوداويته إلى الآخرين فيُحبَطون، وتُحبط المشاريع الكبرى، وتنتقل النقمة كالعدوى بين الناس.
أعطنا يا أيها «المعترض» بديلاً عن كل ما تعترض عليه. قل لنا ماذا أنت فاعل لتحسين وضع مجتمعك وبلدك؟ هل توقفت عن رمي النفايات في الشارع؟ هل تحليت بالنخوة لتقف في وجه كل متحرش وبلطجي وسارق ومزوّر؟ هل حررت فكرك كي تستطيع تحرير أرضك من الإرهاب والتطرف؟ هل سعيت إلى زرع القيم في أبنائك، أو قدمت فكرة تنهض بالتربية والتعليم أو مددت يدك لتدعم على قدر المستطاع بيئتك ومحيطك وجيرانك؟ هل أتممت عملك بضمير وإخلاص وكنت نموذجاً يحتذي به الآخرون؟ هل التزمت خلال قيادة السيارة بالقوانين ولم تسر بالاتجاه المعاكس، ووضعت حزام الأمان وركنت في المكان المسموح؟
أنت تشكك بكل إنجاز تراه أمامك، تحلل وتنظّر في كل شيء وأنت جالس في المقهى أو على مواقع التواصل.. وحين يأتي موعد العمل ترفع يدك وتقول «وأنا مالي؟». سلبيتك تخدم- عن غير قصد منك- كل الحاقدين والإرهابيين، وأنت سعيد بأنك «معترض».