x

عبد الناصر سلامة أغذيـة بيـر السـلم عبد الناصر سلامة الثلاثاء 12-09-2017 21:00


اللهم اجعله خيراً، بصفة شبه يومية الآن، نسمع ونشاهد حملات مكثفة على محال ومطاعم ومصانع الأغذية، بما فيها محال الجزارة، ومحال العصائر، وغيرها من مكونات الغذاء بصفة عامة، ما نسمعه مريع، وما نشاهده فظيع، فيما يتعلق بحجم ما تتم مصادرته، وما يتعلق بذلك من عفن ودود وسوس وحشرات مختلفة تحويها الكميات المصادرة من كل أنواع الغذاء تقريباً، وهو الأمر الذى يجعلنا نقف إجلالاً وتعظيماً لهؤلاء الذين يقومون بمثل هذه الحملات، التى تطرح سؤالاً مهماً هو: ماذا لو كانت قد وصلت هذه الكميات إلى بطون المصريين؟!

لن نستطيع أن نتفاءل بالقدر الكافى، ذلك أن هذه الحملات فيما يبدو أصبحت موسمية، بمعنى أصح مع وجود غربال جديد هنا أو هناك، تطبيقاً للمثل القائل (للغربال الجديد شدَّة)، وأحياناً تكون بناء على وشاية أو حتى انتقام، أى أنها ليست حملات دورية أو بصفة يومية، بدليل هذه الأمراض الكثيرة والخطيرة التى تنخر فى أجساد الناس على مدار العام وعلى مدار الساعة، وهو الأمر الذى يُحتم إعادة النظر فى التعامل مع هذه المنظومة، مادام الضمير قد توارى إلى هذا الحد الذى لم يعد يأبه فيه أحد بصحة الناس.

إذا أردنا أن نقف على حجم التلوث الغذائى الذى نعيشه، فلنذهب إلى العيادات والمستشفيات، عيادات ومستشفيات الأورام بصفة خاصة، الفشل الكلوى كما الفشل الكبدى، كما السرطانات، فى صفوف الأطفال كما فى صفوف الشباب كما فى صفوف الشيوخ، الوضع جد خطير، لم يعد أحد يستطيع الإنفاق على مواجهة مثل هذه الأمراض مهما كان دخله الشهرى، كما أن موازنة الدولة تتحمل الكثير هى الأخرى فى هذا الصدد، سواء من حيث العلاج على نفقة الدولة بالداخل أو بالخارج.

كل ذلك يؤكد الحكمة التاريخية: الوقاية خير من العلاج، بمعنى أن الإنفاق على مواجهة هذا الجشع، ممثلاً فى الغش التجارى، قد لا يكلف الدولة ربع تكلفة علاج المواطنين فيما بعد، وهو ما يؤكد أيضاً أن أساليب المواجهة الحالية لم تعد صالحة مع الزمان ولا المكان، وهو ما يؤكد أيضاً أن حجم ما يصل إلى بطون الناس من طعام فاسد أضعاف ما يتم ضبطه، وكل ذلك يؤكد أن القوانين الحالية فى التعامل مع مثل هذه الأوضاع لم تعد كافية للردع، ذلك أن الضبطية القضائية فى حد ذاتها يجب أن تكون كافية لإغلاق هذه المنشأة أو تلك، على ألا تعود للعمل مهما كانت قيمة المخالفات التى تم سدادها، ذلك أن ضمير الفاسد هو هو لم يتغير.

الغشاش فى دول العالم المتحضر لا يجوز له الترشح فى أى انتخابات من أى نوع، أحياناً لا يجوز له الإدلاء بصوته، هو شخص فاقد الأهلية، عديم الضمير، الوضع الطبيعى هو نبذه من المجتمع، هو كالمسجل خطرا سواء بسواء، يجب الإشارة إلى ذلك فى بطاقة الرقم القومى الخاصة به وذلك لحماية الآخرين من شروره، فقد يلجأ إلى نشاط آخر مشابه من أى نوع، أو إلى فتح منشأة أخرى مشابهة فى أى موقع آخر، وهو ما يتطلب إعادة النظر فى هذا الوضع من مختلف جوانبه، ذلك أننا أمام القضية الأكثر أهمية فى حياة المواطنين ككل.

لن تستقيم الأوضاع فى أى وطن يعانى معظم الناس فيه من الأمراض، وإذا كان العقل السليم فى الجسم السليم، فيمكننا إذن وضع أيدينا على موطن الداء، خاصة أننا نعى تماماً أين يكمن الداء، الذى يبدأ من سلامة الغذاء ونظافة الماء، وهو المجال الأكثر فساداً فى مجتمعنا، ذلك أنه يتعلق بمحاور عديدة، من بينها الاستيراد والتصدير والتخزين والتصنيع والتوزيع والتعبئة والتغليف والنظافة والتعقيم، وغيرها من كثير ربما يغيب فى مجمله عن مصانع بير السلم المنتشرة فى ربوع المحروسة حالياً، والتى قد لا تتضمنها أبداً خريطة الرقابة، بل ولا بطاقات الضرائب والتأمينات والصحة.

نحن أمام مشكلة محلية خالصة، ليست كغيرها من قضايا الرأى التى تصدر بشأنها تحذيرات دولية، أو قضايا الشفافية والفساد التى تصدر بشأنها تقارير متخصصة، بما يجعلنا ننتظر حتى نفاجأ بانتقادات من هنا أو هناك، وهو ما يتطلب التعامل مع قضايانا الداخلية عموماً باهتمام أكبر، خاصة عندما يتعلق الأمر بالصحة العامة، وإذا كانت أمراض الضعف العام والضغط والسكر والأعصاب وهشاشة العظام والاكتئاب والتخلف العقلى وغيرها من الأمراض قد خرجت جميعها عن السيطرة، ذلك أنها نتيجة أسباب معروفة، سياسية واقتصادية واجتماعية، فأولى بنا أن ننقذ ما يمكن إنقاذه بالسيطرة على هذا المجال المتعلق بالغذاء، ذلك أنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعدد كبير من الأمراض أيضاً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية