x

عبد الناصر سلامة جبهات المرحلة.. وبراعة الجن عبد الناصر سلامة الإثنين 11-09-2017 21:21


أذكر للشيخ محمد متولى الشعراوى، رحمه الله، مقولته الشهيرة: «إن بعض البشر يتوهمون أنهم يقومون بتسخير الجن، وهم لا يدركون أن الجن هو الذى يُسخِّرهم»، تذكرتُ تلك المقولة مع عودة ما يسمى «جبهة الإنقاذ» فى صورة جديدة تحت اسم «جبهة البحث عن مرشح رئاسى»، وكأنهم لم يستفيدوا من تجارب الماضى المريرة، ولا من حديث الشيخ الشعراوى اللاذع، ذلك أن عودة هؤلاء بنفس الوشوش مع تغيير طفيف، والأدمغة نفسها مع تعديل خفيف، والسذاجة ذاتها مع دروشة واضحة، والسفه بعينه مع مزيد من الهلس، إنما هو دليل واضح على ارتكاب الحماقات نفسها، مع مزيد من الاستخفاف بعقول الناس، غير واضعين فى الاعتبار أن المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين، فما بالنا بثلاثة، أو على الأقل هكذا تعلمنا من تجارب الحياة.

العنوان الرئيسى لهؤلاء مازال العنوان نفسه، هو تسخير الجن، متجاهلين أن الجن هو الذى سخرهم فى الماضى، استفاد منهم أيما استفادة، تلاعب بهم أيما تلاعب، نزل بهم إلى الشارع، وعاد بهم إلى الجحور، الجن كان موجوداً فى الميدان منذ اللحظة الأولى على بعد أمتار قليلة، فى ذاك المبنى الأورانج، هو الذى يحكم، وهو الذى يأمر وينهى، وهو الذى يخطط ويدبر، وما هؤلاء إلا أدوات، «ادبح يا زكى قدرة، يدبح زكى قدرة»، لم يستوعبوا ذلك وقتها، عاد واستخدمهم مرة أخرى، كانوا يذهبون إليه طائعين هذه المرة، ليست مرة واحدة، إنما مرات ومرات، استخدمهم على نطاق واسع، هذه المرة عينى عينك، على عكس المرة الأولى التى كانت من خلال عملاء.

ها هُم يحاولون إعادة الكرَّة من جديد، ربما فى شكل جديد، إنما الكرَّة نفسها، بعضهم مازال على سيرته الأولى، سيرة العملاء، بعضهم على سيرته الثانية، سيرة الاحتواء والشاى بالياسمين، بعضهم مازال لا يستوعب ما يدور حوله، الحماس والهتاف والنعيق، النتيجة واحدة، الجن هو الفائز الوحيد، هو الفائز دائماً وأبداً، هكذا كانت نتائج الماضى، الميدتيرم، والتيرم، وآخر العام، هكذا هى النتيجة الطبيعية، الأسباب فى ذلك كثيرة، إلا أنها أزمة من يطلقون على أنفسهم النخبة فى مصر، أو المثقفين المصريين.

أعتقد أن الضرورة كانت تُحتم اختفاء هؤلاء من المشهد تماماً، لقد أساؤوا إلى الماضى والحاضر، وها هم يسيئون إلى المستقبل، كان عليهم أن يعتذروا على أقل تقدير، كان عليهم أن يعترفوا بأنهم سبب ما نحن فيه من بلاء وشقاء، فى هذه الحالة كان يمكن أن نفهم أنهم قد استوعبوا الدرس، أو أنهم لن يكرروا الأخطاء نفسها، أو أنهم قد قطعوا أو تعهدوا بقطع خطوط اتصالاتهم مع الجن، ذلك أن الجن لن يسمح لغيره بأن يكون جناً، وإلا لما أدار العملية كلها بكفاءة واقتدار منذ اللحظة الأولى وحتى الآن.

يجب أن نعلم أن كل مخاوف الجن هى أن يتسلل آخرون لصفوفه، يجب أن نعى أن ذلك كان ممكناً فى الماضى، رغم ذلك لم يسمحوا بذلك، ما بالنا بالظروف الراهنة، وقد أصبح يخشى على حياته ومصالحه بعد أن ارتكب حماقات لا حصر لها، وها هو يسترق السمع كعادته، يعلم كل كبيرة من خلال عملائه داخل النخبة، ويقاوم كل صغيرة من خلال شياطين الإنس فى الفضاء الخارجى، ما إن يتواتر اسم من هنا أو هناك حتى تقوم القيامة، وتنطلق صافرات الإنذار، من أنت، وابن من أنت، ومن أين أنت، ألا تعلم أنى أنا الواد الجن!!

عموماً، أعجبنى السيد عمرو موسى حينما خرج ببيان عاجل يقول: «أنا مش فيها»، بما يفيد أن هناك من استوعب دروس الماضى، لا يريد أن يقع فى فخ الحاضر، ولا يرغب أن يسىء إلى نفسه فى المستقبل، أتوقع من الفريق أحمد شفيق أن يحذو حذوه، على الرغم من أنه لم يكن طرفاً فى مهزلة الماضى، أتوقع من الفريق سامى عنان ألا يكون طرفاً فى هذه الملهاة، ذلك أن بيت المسنين يجب إغلاقه بالضبة والمفتاح، فى وطن غالبية ناخبيه فى عمر الزهور، والرهان دائما يجب أن يكون على ما هو قادم، وليس على ما فات، وقديماً قالوا: «اللى فات مات».

من هنا أستطيع التأكيد على أن رائحة جبهة الإنقاذ منذ البداية كانت تفوح منها رائحة الجن، كما الرائحة نفسها التى تفوح حالياً من جبهة البحث، لذا يجب أن نظل نتذكر طوال الوقت المقولة الخالدة للشيخ الشعراوى، التى كان يجب أن نعى من خلالها أن أحداً لن يستطيع تسخير الجن، هكذا سُنَّة الله فى خلقه، الجن هو الذى سخَّر هذه، وها هو يُسخِّر تلك، هى لعبة العرائس التى تستغل طيبة الشارع وتطلعه إلى أى جديد، حتى لو كان سيناريو شديد البلاهة.

مصر أيها السادة تستحق منا ما هو أفضل من ذلك، تستحق وجوهاً جديدة كما تستحق جهداً أكبر، تستحق الشفافية والوضوح بدلاً من اللقاءات السرية والاجتماعات المغلقة، تستحق البحث عن مغامرين يؤمنون بالعمل الوطنى بدلاً من المقامرين الذين اعتادوا القفز ليس على مقدرات الآخرين فقط وإنما على أرواحهم، وإلا ما ذنب آلاف الأرواح البريئة التى ذهبت سُدى وقت أن كانت الجبهات ترتع فى فنادق الخمسة نجوم.. لنعترف أولاً، ونعتذر ثانياً، بعدها لكل حادث حديث.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية