x

عبد الناصر سلامة آثار العرب.. وأطماع الغرب عبد الناصر سلامة الأحد 10-09-2017 21:39


استعاد العراق الأسبوع الماضى من الولايات المتحدة الأمريكية قطعاً أثرية فريدة من نوعها، عبارة عن لعبة شطرنج كاملة، كانت ملكية خاصة للرئيس صدام حسين، وهو من الذهب الخالص المرصع بالأحجار الكريمة، وكان الشطرنج قد تمت سرقته عام ٢٠٠٣ مع الغزو الأمريكى، واسترجعها مكتب التحقيقات الفيدرالى، فيما يشير إلى أن السرقة كانت من خلال عملية فردية قام بها أحد الجنود أو الضباط، كغيرها من مئات القطع، وعلى خلاف مئات أخرى أوضحت الصور أنها كانت بحوزة الجيش الأمريكى بشكل رسمى، حيث كانت يتم سرقتها ونقلها عياناً بياناً، وأيضاً على خلاف الرصيد الاحتياطى العراقى من الذهب، الذى شوهدت سيارات الجيش الأمريكى وهى تنقله فى وضح النهار!!.

لم تتوقف سرقة العراق أمام ثرواته من النقد والذهب، بل امتدت إلى الآثار بشكل فج، بل كل ما هو ثمين وذو قيمة مادية، ذلك أن متحفاً ضخماً فى قلب بغداد كان يسمى (متحف قائد النصر)، فى إشارة إلى الرئيس العراقى، كان يضم كل ما حصل عليه صدام حسين من هدايا منذ أن كان نائباً لرئيس الجمهورية، كانت مقتنيات هذا المتحف فى تسعينيات القرن الماضى تقدر بما يزيد على مليارى دولار، كل مقتنيات هذا المتحف أصبحت فى طى النسيان، شاهدتُ فى هذا المتحف سيوفاً ذهبية، وساعات مرصعة بالجواهر، ونظارات ماركات عالمية، وألماسات وأحجاراً كريمة، شاهدتُ فيه طقماً كاملاً للشاى من الفضة، هدية المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة لصدام حسين، شاهدتُ فيه الصفحة الأولى، لأول أعداد الأهرام هدية الأستاذ عبدالله عبدالبارى رئيس مجلس مؤسسة الأهرام الأسبق.

فيما يتعلق بالحالة المصرية، ربما الوضع ليس أفضل حالاً منذ سرقة مجوهرات أسرة محمد على، البيانات الرسمية تحدثت مؤخراً عن فقدان ما يزيد على ٣٤ ألف قطعة أثرية من المتاحف والمخازن، هذا ما تم رصده، ما بالنا بمن لم يتم رصده، المعلومات الرسمية تتحدث عن أن الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر لم يكن يهدى الأجانب قطعاً أثرية فقط، بل كان يهديهم معابد كاملة، أهدى إسبانيا عام ١٩٦٠ معبد (ديبود) الفرعونى، وهو تحفة معمارية وتاريخية نادرة، امتزج فيها التاريخ الفرعونى والنوبى والإغريقى والرومانى، وأهدى هولندا معبد (طافا) عام ١٩٦٠ أيضاً، كما أهدى الولايات المتحدة عام ١٩٦٣ معبد (دندور)، ولإيطاليا معبد (الليسيه) عام ١٩٦٦، ولألمانيا معبد (كلابشة) عام١٩٧٠.

معلومات أخرى تؤكد أن الرئيس الراحل أنور السادات أهدى عشرة تماثيل من طائر أبيس لعدد من القادة، منهم إمبراطور إيران، والرئيس اليوغوسلافى، وملك السويد، وهنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى، إضافة إلى قطع أخرى لقادة آخرين، بينما أكد مؤخراً وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى (أن الرئيس حسنى مبارك والسيدة سوزان مبارك لم يطلبا ولو لمرة واحدة قطعة من الآثار لإهدائها لرئيس دولة أخرى، متحدياً إثبات عكس ذلك)، وهو ما يطرح تساؤلاً مهماً حول هذه القضية، وعما إذا كانت هناك صلاحيات شخصية لرئيس الدولة يفعل بآثار الدولة ما يشاء، أم أنها يجب أن تخضع لموافقات من أى نوع، وفى مقدمتها البرلمان.

إذا كان التاريخ المصرى ممثلاً فى الآثار قد نازعته عمليات الإهداء والسرقة، فقد وقعت الآثار العراقية بين سندان السرقة الأمريكية تحديداً، واحتلال تنظيم «داعش» لمساحة من البلاد ليست بالقليلة، وكانت غنية بالآثار، والتى قام التنظيم بتدميرها بمنهجية شديدة، من مبانٍ وتماثيل وزخارف، وحتى بعض دور العبادة الإسلامية والمسيحية على السواء، كما وقعت بعض الآثار الأشورية فى سوريا ضحية للفكر الداعشى نفسه، الذى دمر الكثير منها تحت سمع وبصر العالم، بل إن القصف الروسى والأمريكى والفرنسى لم يأبه لذلك التاريخ، الذى تقف أمامه شعوبهم فى حالة انبهار.

الآثار اليمنية هى الأخرى لم تكن أفضل حالاً، ذلك أن معظم المتاحف العالمية تضم قطعاً منها لم يستطع اليمن استردادها، ناهيك عن تعرض العديد من المواقع هناك للعبث والنبش وتهريب آلاف القطع عبر المطارات والموانئ، كما قام تنظيم القاعدة - على غرار داعش - باستهداف عدد من المعالم الدينية، من بينها الأضرحة والقباب، باعتبارها موروثات (شرك بالله) تتعارض مع فكر التوحيد، فى الوقت الذى جاء فيه القصف الجوى الخليجى ليقضى على البقية الباقية من ذلك التاريخ، ليطال مواقع أثرية، ومعالم تاريخية، ومتاحف، بما فيها المتحف الوطنى فى صنعاء.

السؤال هو: لماذا هان على العرب تاريخهم على هذا النحو، فأصبحت سرقة الآثار كما إهدائها أمراً طبيعياً غير مخجل، ولماذا يتكالب الغرب على تاريخ العرب، إما بالاستحواذ عليه وسرقته، وإما بتدميره ومحوه من الوجود، وإلى متى سوف يستمر الأمر كذلك، رغم وجود قوانين دولية ومحلية تحمى هذا التاريخ أو ذاك؟!، أما السؤال الأهم فهو: لماذا كانت البلدان العربية الأكثر عراقة وحضارة هى الأكثر توتراً واستهدافاً؟!.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية