فى عيد الفطر اختار الجمهور فيلم (هروب اضطرارى) للمخرج الشاب أحمد خالد موسى ليحتل المركز الأول، وبفارق شاسع عن الفيلم الذى يليه. فى عيد الأضحى وقع اختيارهم على (الخلية) للمخرج المخضرم طارق العريان، أيضا بفارق واضح عن الفيلم الذى أحببته (الكنز) لشريف عرفة، وعلينا احترام رأى الناس، ذوق الجمهور يفضل الآن سينما الأكشن على شرط أن تكون جيدة الصنع، وهو ما توفر بغزارة فى الفيلمين.
عندما يريدون السخرية من نجاح فيلم أو أغنية بعد أن حققت أعلى الأرقام يقولون ساخرين (الجمهور عايز كده)، وكأن الجمهور هو عنوان للرداءة، رغم أن العكس وبنسبة كبيرة هو الصحيح.
على الجانب الآخر، عندما يفشل عمل فنى يجب أن يملك صُناعه القدرة على المواجهة والبحث عن أسباب الفشل، حتى يتداركونها فى العمل القادم، إلا أنهم على الفور يتوجهون بكل غضبهم إلى الجمهور باعتباره هو المسؤول عن الهزيمة الرقمية التى نالوها، إنها العلاقة الملتبسة بين النخبة والجمهور، والتى تجعل النخبة تتعامل بنظرة فوقية مع إرادة الناس.
أتذكر فى بداية السبعينيات من القرن الماضى أن ملحناً كبيراً فشلت له قصيدة بصوت أم كلثوم، فقال على الفور أنا لم أخفق، الجمهور هو الذى أخفق، بعد أن أفسدوا ذوقه. وظل موقنا من نجاحه وفشل الجمهور، الذى لم يُدرك عظمة ما قدمه من إبداع.
هناك أعمال فنية عبر التاريخ تنطوى على لغة سينمائية لا يُقبل عليها الجمهور فى حينها، ولكن مع الزمن يبدأ فى استيعابها، مثلما قدم قبل 60 عاما المخرج يوسف شاهين فيلمه الأثير (باب الحديد)، وفى مرحلة لاحقة صلاح أبوسيف (بين السماء والأرض)، ثم حسين كمال (شىء من الخوف)، فقاطع الجمهور هذه الأفلام وغيرها، ولكن مع مرور السنوات نجحت عبر عرضها فى الفضائيات وصارت تصنف كأفلام جماهيرية، تلك كانت وستظل هى الاستثناء الذى يؤكد القاعدة ولا ينفيها، وأظن أن فيلما مثل (الكنز) مهما كانت لدى من ملاحظات ينطبق عليه نفس المعيار، إلا أن الأصل هو أن ينجح الفيلم فى عرضه الأول. الفيلم الذى تسكنه مواطن الجمال والمشبع فنيا من الممكن أن يحمل الدفء للجمهور وإقناعه بالذهاب إليه، السحر الفنى يكسب فى نهاية السباق.
فى علاقة العمل الفنى بالجمهور هناك تصويت دائم من خلال شباك التذاكر، يتم بعده اختيار الأفضل. إرادة الناس لا يمكن تغييبها أو كبتها، طبعا أنا مع الرأى الذى يؤكد أن مقياس الشباك ليس هو (الترمومتر) الوحيد للنجاح، لأن الزمن يلعب دورا ولا شك، وكلما شهدت الأيام لصالح العمل الفنى واستعاده الناس تظل تلك شهادة حق.
لا أوافق الموسيقار الكبير فيما ذهب إليه بأن الناس هى التى فشلت فى استيعاب اللحن. الصحيح أن نقول بأن اللحن فشل فى الوصول للناس، الجمهور لا يمكن وصفه بالقسوة، ولكن بعض الأعمال الفنية كانت غير محتملة، فبادلها القسوة بقسوة والبادى أظلم. المشكلة أننا كثيرا ما نرتاح لمقولات توارثناها ومع الزمن صدقناها، وهى أن نتهم الجمهور بأنه فاسد الذوق، أنها خدعة كبرى، تُصبح عند الفاشلين الشماعة التى يعلقون عليها إخفاقهم، العمل الفنى من الجمهور وإلى الجمهور يعود، نعم (الجمهور عايز كده ونص) مقولة جديرة بالاحترام وتستحق رد الاعتبار!!.