بدون إحم ولا دستور فتح مدحت شلبى النار على حيوان برىء، وكلما تعثر ولم تُسعفه الكلمات، (إللى ما يعرفش يقول باندا)، ربما قرأ أو شاهد بالصدفة صورة لحيوان يحبه الأطفال والكبار ويتعرض للانقراض، ولهذا يحاولون بالتلقيح الصناعى المحافظة على ما تبقى من تلك السلالة النادرة، اعتبره شلبى، ولا أدرى كيف، حيوانا مخيفا يصلح أن يُصبح هو (الإيفيه) الذى يردده الناس، (الباندا) رغم انتمائها لفصيلة الدببة، من آكلى اللحوم، إلا أن أغلب ما تتناوله من النباتات، خاصة الخيزران، فلا هى وحش مخيف أو أسد مرعب، ملامح محببة صُنعت منها دُمى للأطفال، تنام بجوارهم على الأسرّة حتى تجلب لهم الأحلام السعيدة.
شلبى ومعه أغلب جيل معلقى هذا الزمن يعانون من عقدتين: الأولى (الكابتن لطيف)، والثانية (الكابتن ميمى الشربينى)، لطيف هو الرائد الذى ساهم فى ترسيخ قواعد التعليق الكروى فى بدايات التليفزيون مع افتتاحه عام 1960، البعض يعتقد أن سر لطيف هو (الإيفيه) وليس (الكاريزما)، مثل من أراد أن يُصبح نجيب محفوظ، فإذا كان كاتبنا الكبير يسير يوميا على قدميه متجها من بيته فى (العجوزة) إلى مكتبه بوسط المدينة فى جريدة (الأهرام)، فيقرر صاحبنا أن يذرع مصر (رايح جاى) سيرا على الأقدام من الإسكندرية لحلايب وشلاتين على أمل أن ينال (نوبل)، وهكذا يعتقدون أنهم حتى يُصبحوا (لطيف) يبدد معلقو الكرة طاقتهم فى العثور على (إيفيه).
كان (لطيف) اسما على مسمى، ابن نكتة، سريع البديهة، يلتقط الكلمة بلا افتعال، أتذكر له (الكورة أجوان) و(الجايات أكتر من الرايحات) و(الجون بييجى فى ثانية) وغيرها، كان يستهل التعليق بشكر يبدأ من رئيس الجمهورية حتى بائع الترمس الذى يقف على باب الاستاد، مرة تابع لاعبا سكندريا شهيرا اسمه (الكأس) يشارك فى إحدى المباريات مع الفريق القومى، ووقف فى مكان يؤهله لو جاءت له الكرة أن يحرز هدفا لمصر، فأخذ لطيف يقول الكاس فاضى الكاس فاضى الكاس فاضى، وتذكر ما توحى به كلمة كأس، فقال: الله هو مفروض يكون مليان؟!!.
العديد من الأفلام السينمائية استعانت به لما يُضفيه حضوره من بهجة، وتعددت الأسماء فى جيله مثل حسين مدكور وعلى زيوار، مدكور كان أقرب للالتزام مثل مدرس لغة عربية لا يخطئ فى قواعد النحو والصرف وبرصانة ولكنه لا يخرج أبدا على النص، بينما زيوار يُحطم القواعد مهاجما أو مشجعا، وكان يدلع نفسه بارتداء أساور وسلاسل وقمصان فاقعة، وبعد ذلك انطلق الكابتن ميمى الشربينى بحس أدبى راقٍ وصافٍ، وبمفرداته الخاصة فيصف الكرة بأنها (الساحرة المستديرة)، أو أن فلانا يرتدى (قفاز الإجادة) أو (ربنا يوفقك يا ابنى) و(ماذ ا يخبئ هذا اللاعب فى أجندته)، ويقول مثلا (هذا اللاعب بابا نويل الكرة المصرية)، وبعد انتشار تعبير استنساخ بعد العنزة (دوللى) قال المفروض استنساخ حسام حسن، أو فلان (عنقود مهارات)، الشربينى تلقائى لا يتعمد اختراع (لزمات) ولهذا احتفظنا له بالكثير.
ومن تونس انطلق عصام الشوالى ونجح مثل العديد من نجوم التمثيل والغناء التوانسة فى الوصول إلى قلوب المصريين، مدحت شلبى ظهر بإيفيه مثل (هالله هالله هالله)، يشعرك بأنه يظل قبل المباراة بأسبوع يبحث عن لزمة يرددها بعده الناس، حتى جاءت له الباندا فالتهمته، وأصبح بعد مباراة أوغندا (مدحت باندا)!!.