قد يعتقد البعض أن دولة مثل بيرو لم يصلها الإسلام بعد، لكن الكثيرين لا يعرفون أن الوجود العربى والإسلامى فى تلك الدولة الواقعة فى غربى قارة أمريكا الجنوبية، يرجع إلى القرن الثانى عشر الميلادى. كانت بيرو، قبل غزو الإسبان لها، مركز حضارة لإمبراطورية كبيرة هى إمبراطورية الأنيكا، التى كانت تضم ما يسمى حاليا بالإكوادور، وشيلى، وبيرو، والأرجنتين، وعاصمة هذه الإمبراطورية، مدينة «كوزكو» وغزتها إسبانيا فى سنة 939هـ- 1532م. ولم تستسلم إمبراطورية الأنيكا للإسبان إلا فى سنة 951هـ- 1544م. واستمر الاحتلال الإسبانى لبيرو حتى سنة 1236هـ- 1820م، عندما نالت بيرو استقلالها بعد كفاح طويل ضد إسبانيا. وهناك أدلة دامغة تثبت أن المسلمين عرفوا العالم الجديد قبل اكتشافه من قبل كولمبوس بنحو 4 قرون تقريباً، حيث ترجّح بعض المصادر والمراجع أن العرب والمسلمين عرفوا العالم الجديد فى أوائل القرن الثانى عشر الميلادى، وبالتحديد ما بين عامى 1100 و1150م، فيما كانت بداية حركة الكشوف الجغرافية الغربية للعالم الجديد فى عام 1490م.
ويقول المؤرخون إن وصول الإسلام مبكراً كان مع بداية الاستيطان الإسبانى فى بيرو، وذلك بوصول المسلمين الأندلسيين (المورسكيين، الذين كتموا إسلامهم سراً هرباً من مذابح محاكم التفتيش)، وأثروا فى المزيج الحضارى الذى ظهر فى بيرو فيما بعد. ولهذا تأثر أدباء بيرو بالحضارة الإسلامية الأندلسية، وظهر هذا فيما كتبه الشاعر والأديب «دون ريكاردو بالما»، خصوصا قصته المشهورة بعنوان «افعل الخير ولا تبال»، وتأثر فى قصته بالأخلاق العربية، فكانت القصة من واقع حياة الأمير إبراهيم، جد مروان الثانى، آخر خلفاء بنى أمية فى دمشق. وجاء الوصول الفعلى للإسلام من هجرة المسلمين إلى بيرو، بعد استقلالها فى نهاية القرن الـ19 الميلادى، عندما هاجر إليها عدد من العرب، خصوصاً من بلاد الشام، وكانوا يحملون جوازات سفر تركية، ولذلك أطلق عليهم الأتراك، وعمل أغلبهم فى الزراعة. وهناك عدد منهم اشتغل بالتجارة خصوصاً تجارة الأقمشة. والآن يمتلك هؤلاء العديد من مصانع الغزل والنسيج وبيوت التجارة. ثم وصل إليها 500 مهاجر مسلم من الصين فى عام 1908م. وتقول التقارير إن عدد المسلمين فى بيرو حالياً أكثر من 5 آلاف مسلم، ورغم قلة العدد إلا أن تأثير المسلمين فى البلاد يفوق حصتهم العددية، وحالتهم المادية جيدة، ومعظم هذا العدد من الأقلية المسلمة من بلاد الشام، خصوصاً من فلسطين ولبنان وسوريا. وهنالك القليل من المواطنين الذين اعتنقوا الإسلام، هذا إلى جانب المسلمين الصينيين. والغالبية تحترف التجارة، ويمتلك أحد أفراد الجالية فندقاً فى وسط العاصمة ليما، وهو فندق دمشق، الذى يمتلكه وصفى عبده، رئيس الجالية المسلمة ببيرو، وهذا الفندق مركز اجتماعات الجالية المسلمة.
ومن أبرز شواهد الوجود الإسلامى فى بيرو الطابع المعمارى الأندلسى الذى يميّز مساكن العاصمة ليما، حتى يخيّل لك وأنت تتجول فى شوارعها أنك فى قرطبة أو أشبيلية.