بصفة رسمية يحتفل العالم باليوم العالمى للتطوع فى 5 ديسمبر كل عام ليُصبح اليوم بمثابة تذكرة لأهمية العطاء وتنمية المجتمع ولو بمنح أفراده ساعة أو بعض ساعة من يومهم لتحسين الظروف المعيشية لآخرين من شركاء الوطن، أما على نحو محلى، ففى أغلب الأحيان يُعتبر شهر رمضان بمثابة موسم الازدهار السنوى لأعمال التطوع الميدانى وخدمة المُجتمع دون انتظار عائد أو مُقابل، وتختلف أنشطة التطوع ما بين الأعمال شديدة البساطة كمنح المارة شربة الفطور المُنتظرة أو شديدة التعقيد والصعوبة كالارتحال بين أعضاء قافلة تمد قرى الصعيد الفقيرة بوجبات رمضانية مُشبعة.. فى هذا التقرير رصدت «المصرى اليوم» بعض أمارات موسم التطوع المصرى..
منذ تدشينها رسميًا فى عام 1993، تضطلع أسرة «الفرسان» بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان، بالعديد من الأنشطة والفعاليات الجامعية والمُجتميعة داخل أسوار الجامعة وخارجها، بينها الفنى والثقافى والاجتماعى، فيما يزدهر النشاط الاجتماعى خلال الموسم الرمضانى من كل عام، فتضع له الأسرة جدولاً خاصا من الفعاليات الفنية والزيارات الاجتماعية وكذلك جلسات الإفطار الجماعى، فى خدمات غير مدفوعة الأجر تقدمها الدفعات واحدة تلو الأخرى على الرغم من تغير وجوه المتطوعين من الشباب كل 5 أعوام، فيصف رائد الأسرة أستاذ كلية الفنون الجميلة، عبدالعزيز الجندى جهود المتطوعين المبذول: «الشباب هم الدينامو للنشاط.. هم اللى ممكن يحطوا الأفكار وينفذوها ويتابعوها».
يخصص النشاط الطلابى 3 أيام أسبوعية للأنشطة الجامعية التطوعية خارج أسوار كلية الفنون الجميلة، تتضمن زيارات لمستشفيات الأطفال ودور الأيتام وذوى الاحتياجات الخاصة، إضافة للأسر محدودة الدخل فى بعض القرى والمناطق القريبة من العاصمة، بيد أن جهود التطوع الإنسانى والاجتماعى تُضاعف طوال شهر رمضان من كل عام حسبما يوضح أستاذ الفنون الجميلة: «رمضان موسم أساسى بيكون فيه إقبال شديد على التطوع وحماسة لعمل الخير»، يحاول رائد الأسرة إقامة مقارنة رقمية بين أعداد المتطوعين خلال شهر رمضان والأشهر الاعتيادية: «خلال رمضان ممكن يكون فى زيارتنا 20 أو 30 متطوعا، فى الأيام العادية ممكن العدد ينخفض لـ 5 أو 6 فقط».
يفسر «الجندى» الظاهرة بانتشار اتجاه عام خلال شهر رمضان بأداء أعمال الخير والتطوع، حيث يتحرك الشباب فى ضوء تحرك مجتمعى متسع تجاه دعم الآخر ومُساعدته: «بنشوف شباب فى رمضان بيعمل خير وبيبنى أسقف وبيبقى فى حالة حماس»، بحكم خبرته فى عمل الأنشطة المُجتمعية برفقة شباب من المتطوعين يضع الأستاذ الجامعى إيمان المتطوع بضرورة تقديم عمل «لوجه الله» وبدون مقابل مادى يستمد منه متعة العطاء وتقديم العون لمُستحقيه، ولزيادة تحفيز الشباب فى مُقتبل العمر على العمل المُجتمعى خاصة فى شهر رمضان يعتمد النشاط على تقسيم العمل إلى مهام ووحدات مُنفصلة يضطع كل شاب بتخطيط وتنظيم وتنفيذ جزء من مُهمته بنفسه: «عندنا فى دور خاص بالمتطوع بيخططه وينفذه ودا بيزيد من ثقة المتطوع فى نفسه، لما بيخلص شغل بيبقى مش مصدق أنه قدر يعمل كدا».
يعدد رائد الأسرة بعض الصفات الواجب توافرها فى الشاب أو الشابة المتطوعة لتحقيق النتائج المرجوة من النشاط الإنسانى: «لازم يكون المتطوع حاسس بالمجتمع بتاعه ومش أنانى، وعنده قدرة على العمل الجماعى وفاهم أنه ترس فى مكنة»، يعتبر «الجندى» المرونة والقدرة على العمل داخل مجموعة وأداء أدوار تكميلية يعد أساسا للعمل التطوعى المُعتمد أغلب الوقت على جهد عشرات من الشباب، فيما يُصيب البعض ما أطلق عليه «نزعة الزعامة» ويعد من وجهة نظره إحدى آفات العمل التطوعى، وللقضاء عليها يجب على المتطوعين تبديل أماكنهم داخل جماعة العمل من حين لآخر وأداء المهام الصعبة والمهام المتواضعة دون تفرقه.
عبر رسالة نصيّة طويلة يتم تبادُلها على مجموعات تطبيق الواتس آب، شرعت «ريهام عبدالله»، الخريجة الحديثة من كلية التجارة، فى نشر تفاصيل الحملة الخيرية المتزامنة مع موسم شهر رمضان، والتى يُنظمها النشاط الطُلابى الذى انتمت إليه فى سنوات الجامعة «مويك»، فيما واصلت ريهام المشاركة فى فعالياته الخيرية، حتى بعد التخرُج.
«رحماء بينهم» هو عنوان الحملة التى تُكرِس لها ريهام القسم الأكبر من يوميّاتها الرمضانيّة هذا العام، وعلى ذلك لا تُعد الحملة هى النشاط التطوُعى الوحيد الذى تشارِك فيه ريهام فى الموسم الخيرى، إذ تُقدِر حجم الوقت الذى تتصدق به أسبوعيًا فى الشهر الفضيل بنحو 10 ساعات على أقل تقدير، مع مراعاة الظروف الطارئة وظروف العمل.
«الحياة مش هتمشى شُغل بس، التطوُع عمومًا بيدينى حافِز للحياة»، بهذه الجُملة تُلخص الشابة العشرينية الدوافع وراء انخراطها فى عمل تطوعى، وفيما يُعد رمضان هو موسم التطوع الأساسى لكافة هواة التطوُع، حسب ريهام، إلا أنها بصفة شخصية، تمارس التطوع بشكل مستديم على مدار العام، بينما يمثل رمضان ذروة النشاط التطوُعى لها «فى رمضان بشارك فى أى نشاط تعبئة شنط عاوز متطوعين حتى لو مش تابعة للجمعية اللى منظماه، ده طبعًا غير القوافِل».
فى عُرف المعتادين على العمل التطوُعى، تُعَد كلمة «قافلة» إحدى الكلمات المفتاحية فى تجربة التطوع الرمضانية، وتعنى القافلة فى قاموس التطوع انتقال مجموعة من المتطوعين إلى إحدى المناطق المُعدمة والفقيرة اقتصاديًا ومن حيث الخدمات، فيما يحمِل المتطوعون إلى هذه المنطقة مواد الدعم والإغاثة الطبية والغذائية والإنشائية.
تُشارك ريهام فى قافلتين على مدار شهر رمضان، فيما تدشن القوافِل فى مواسم تطوعية أخرى على مدار العام، تُعد «بطاطين الشتاء» أبرزها، فيما لا يجد نشاط القوافل ذات الإقبال فى غير شهر رمضان «شاركت قبل كده فى نشاط قوافل فى إجازة نصف العام وعدد المتطوعين كان قليلا جدًا، فى رمضان على العكس الناس بتكون مقبلة على التطوع أكتر، لأن الثواب مضاعف والأجر كبير». على مدار 7 شهور، قام الفريق البحثى للنشاط الذى تنتمى إليه ريهام، بجُهد «استكشافى» على حد وصفها، وصولاً إلى القرية الأكثر احتياجًا، والأجدر بانتقال قافلة «رحماء بينهم» إليها، وتفصّل ريهام تدخُلات القافلة الخيرية فى أى قرية- قرية الخرمان بأطفيح الجيزة هذا العام- على النحو التالى: «500 شنطة رمضانية للمحتاجين، وتجهيز عرايس فقيرات، وتركيب وصلات مياه نظيفة، وبناء أسقف للبيوت التى لا تمتلك أسقفا خرسانية، وإقامة معرض ملبوسات بأسعار رمزيّة قبل العيد».