x

«صنع فى الجنة».. فن تحطيم «الكليشيهات»

الخميس 25-03-2010 14:15 | كتب: أيمن عبد الهادي |
تصوير : other

يقف اليوم من جديد المسرحيان السويسرى ذو الأصل الهولندى يان دفينداك والمصرى عمر جيتا وسط جمهور المشاهدين فى صالة دييب الباريسية ليقدما عرضاً جديداً من مسرحية «صنع فى الجنة». تعالج المسرحية، التصورات الثابتة والسائدة فى الأذهان عن الشرق والغرب، مشروع تبنته المؤسسة الثقافية السويسرية «بروهيلفسيا» عبر مكتبيها بزيورخ والقاهرة، وسبق تقديمه فى أكثر من مناسبة فى سويسرا وإسبانيا وبلجيكا بداية من شهر يوليو من العام الماضى، وستتواصل عروضها فى أوروبا (سويسرا، فرنسا) على مدار شهرى مارس الحالى وأبريل.

يشير «يان» الذى التقيته فى محطة قطار مدينة سولتيرن السويسرية، للتعرف على هذه التجربة المسرحية المختلفة- إلى أن أحداث 11 سبتمبر هى فى الواقع التى دفعت وسائل الإعلام الغربية إلى الاهتمام بطريقة لم يسبق لها مثيل بالمسلمين، لكنها قدمت معالجات تتسم بقدر كبير من السلبية، بالمقابل العالم الغربى نفسه لا يعرف كيف يتم تصويره فى المجتمعات العربية. كان ذلك السبب الأساسى، حسب يان، فى تطور فكرة هذا المشروع: «كنت أريد أن أقدم صورة حقيقية للغرب عن العالم الإسلامى وأتعرف على تصوره هو عن الغرب.

رغبت أولاً أن ألتقى عدداً من المتورطين فى الأعمال الإرهابية وأجرى معهم عدداً من المقابلات لأننى كنت أريد أن أفهم وأن أتعرف على تصوراتهم التى ذهبت بهم إلى حد التورط فى القتل دفاعاً عن أفكار أيديولوجية، وأن أستمع إلى آرائهم فى كل ما يتعلق بتلك المسألة ثم أجمع ما توصلت إليه وأجعله أساساً لمشروع فنى مسرحى. وتقدمت بطلب منحة من مؤسسة بروهيلفسيا كى أحظى بتمويل للمشروع».

جاء «يان» إلى القاهرة، وبعد تأمل وجد أنه لن يكون مفيداً جداً أن يعيد ويكرر الكلام السائد عن الإرهابيين بل سيكون من الأفضل أن يقابل المسلمين العاديين. «قمت بعمل الكثير من المقابلات مع المصريين المسلمين، وعملت على هذه المادة مع زميلتى نيكول بورجيا لتحويلها إلى نص مكتوب، وفى الوقت نفسه وبنفس المنحة أرسلت المؤسسة الثقافية السويسرية بالقاهرة عمر زميلنا الثالث فى المشروع إلى سويسرا كى يقوم هو الآخر بالعمل نفسه الذى قمت أنا به مصر».

أقام عمر لمدة ثلاثة شهور فى سويسرا والتقى عدداً من السويسريين، وتعرف على تصوراتهم بشأن العرب والمسلمين، وهكذا اكتملت الرؤية للعرض المسرحى المنتظر. «عملنا جميعاً معاً على دمج الرؤيتين الشرقية والغربية فى مسرحية أطلقنا عليها: (صنع فى الجنة) أردنا أن نرمز للغرب بكلمتى (صنع فى) انعكاساً لماديته أما الجنة فأردنا أن نشير عبر اللفظة إلى مفهوم أساسى ومحورى فى الفكر الإسلامى» يضيف يان. وعن مضمون العرض يقول: «العرض هو نقل للتجربة مع الآخر، فأنا بالفعل كنت خائفاً جداً عندما جئت إلى القاهرة من ارتكاب أخطاء تتمثل فى قول الحماقات عن الإسلام، فأنا لم أكن أعرف بالفعل شيئاً عنه، وبالطبع لست عالماً بالإسلام بحضارته الضخمة ولا يمكن أن أصبح كذلك فى وقت قليل جداً، كنت إذن حريصاً جداً فى هذه النقطة. لذا سعينا إلى نقل تجاربنا أنا وعمر فى المسرحية، تجربة لقاء بين عالمين متقابلين: أردنا أن نتكلم ليس عن الشرق والغرب ولكن عن (يان) وعمر واعتقدنا أننا بهذه الطريقة نكسر «الكليشيهات» السائدة بين هذين العالمين».

وعن طبيعة وشكل المسرحية أوضح المسرحى الهولندى أن واقعة 11 سبتمبر كانت نقطة الانطلاق لفريق العمل أثناء التجهيز للمسرحية وقبل عرضها الفعلى: «حكى كل منا عن ظروف ووقائع تلقيه خبر الحادث ورأينا فيه وقررنا أن نصنع ما يمكن تسميته العرض المسرحى المرن غير التقليدى المكون من أجزاء يختارها الجمهور نفسه، فالمسرحية تتغير فى كل عرض، فالواقع أن مادة المسرحية كثيرة جداً، ولابد من اختيار بعضها وهذا طبيعى لأن الموضوع ذاته متشعب، ولا يمكن حصره فى جانب واحد. نعرض إذن فى البداية عدداً متنوعاً من المعالجات التى نكون مستعدين لعرضها عليهم بشكل مسرحى وندعهم يصوتون بشكل ديمقراطى لما سيتم تمثيله فعلاً. والجمهور فى العرض يكون متداخلاً تماماً معنا، فلا توجد خشبة مسرح فى شكلها التقليدى بل يلتف حولنا الجمهور بشكل حميمى أما زمن المسرحية فهو الآخر يتغير فيتراوح بين ساعتين وأربع ساعات وبالطبع نخبر الجمهور مُسبقاً بزمن العرض وهى تعرض فى حضور مترجم يتولى ترجمة الحوار بشكل فورى وديناميكى وهو شىء أحبه الجمهور.

العمل المسرحى المغاير لما هو سائد من أعمال شكلاً ومضموناً الذى تحمس له يان وعمر ونيكول بدا أنه قد آتى ثماره. يقول «يان» إن تجربته فى المسرحية جعلته أكثر معرفة بالعالم الإسلامى فقبلها كان على جهل تام به، وكانت لديه صور ثابتة عن المسلمين باعتبارهم «خطراً» أما الآن فالوضع والرؤية اختلفا وتكشفت لى حقيقة أن المسلمين «قلوبهم رحبة» أما فى الغرب فنحن نشعر بالوحدة وهذا أمر شاق. لقد ساعدت المسرحية بشكل أو بآخر على رحيل كل «الكليشيهات» الثابتة أو على الأقل فى إيجاد الوعى لدى الجمهور بأنها موجودة وأنها تسكنهم لكن الحقيقة بخلاف ذلك. الناس فهموا أن فريق المسرحية يحكى لهم قصصاً حميمية تخصنا وتعنيهم فى الوقت نفسه والهدف ثابت وواضح: الخروج من حصار الكليشيهات. لذلك لم يكن غريباً أننا لجأنا بعد أزمة مبادرة منع المآذن فى سويسرا إلى استخدام نماذج لمآذن صغيرة ورقية ووزعناها على جمهور العرض المسرحى فى سويسرا وفرنسا، وكانت الرسالة واضحة أن المآذن لا تؤذى وأن بوسع أى أحد أن يقتنيها دون حاجة لقوانين تسمح أو تمنع».
 

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية