فى الحلقة الخامسة من برنامج «عصير الكتب» الذى يذاع على قناة «دريم2» ناقش الكاتب بلال فضل الكيفية التى تمكنت دولة «تركيا» عبرها من التغلب على مشكلاتها خلال سبع سنوات، وكيف استطاعت أن تجد حلاً لإشكالية بناء التيار الإسلامى الديمقراطى فى ظل الصداع الدائم بالحديث عن الإسلاميين ووصولهم إلى الحكم.
فى مفتتح الحلقة سأل بلال المشاهد: «تقدر حضرتك تقول لى إمتى كانت آخر مرة فى حياتك السعيدة شاهدت فيها أحداً من حكامنا العرب فى لقاء تليفزيونى أو صحفى أو إذاعى أو جماهيرى وهو يتكلم عن آخر كتاب قرأه؟ سواء كان كتاب سياسى عميق أو تاريخى دسم أو علمى معقد أو حتى رواية بسيطة استمتع بها».. وأجاب لست محتاجاً للتفكير فى الإجابة كثيراً.. لأن هذا ببساطة لا يحدث، فحكامنا مثلنا، أو مثل أغلبنا يتعاملون مع قراءة الكتب بكونها «شغلانة الناس الرايقة اللى بتضحك على طول.. أما الناس المتضايقة الذين يقرأون فى الكتب فهم ليس لهم فى هؤلاء»، وذلك على أساس أن الإنجازات تأخذ كل وقتهم، وليس من المعقول أن يضيعوا وقتهم فى قراءة الروايات والكلام والفارغ.
وبأسلوبه الساخر تساءل.. لماذا يقرأون– قاصداً الحكام- فى التاريخ إذا كانوا يصنعون التاريخ، بينما فى الدول التى تصنع التاريخ فعلاً وتتحكم فى الحاضر وتخطط للتحكم فى المستقبل بات معلوماً من الحكم بالضرورة أن الحاكم الذى لا يقرأ فى الأدب والتاريخ والسياسية هو حاكم بلا خيال ولا يعوّل عليه، ولا يرتج منه فائدة. ويواصل: ذات يوم كتبت أسأل لماذا فى بلادنا العربية السعيدة كلما ذهب الحاكم إلى أى موقع من مواقع الإنتاج أو عدم الإنتاج بمعنى أصح، يحضرون له مصحفاً شريفاً ويبتسم الرئيس أو الحاكم؟ ولا توجد مرة مع المصحف يعطونه رواية جديدة مهمة أو ديوان شعر، أو كتاباً عظيماً، ابتدعته أحد عقول بلاده، فرد علىّ أحد القراء يومها وقال لى: «يا سيدى كتب إيه وراويات إيه، مش لما الحكام يقرأون المصحف أساساً» بصراحة عنده حق يعنى لو فرضنا أن الحاكم العربى فتح المصحف مثلاً وقرأ الآية الكريمة «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى» وفكر أن يطبقها أكيد كل مشاكلنا ستُحلّ، فقال لى عقلى ومن قال لك إن الحكام العرب لم يقرأوا تلك الآية أساساً، هم فقط قرروا يطبقون منها «إيتاء ذوى القربى».
وفى استطلاع لآراء المواطنين عما إذا كان المسؤولون فى مصر أو الحكام العرب يقرأون كتباً أم لا؟ اختلفت آراء المواطنين، فمنهم من يرى أنهم لابد أن يقرءون الكتب، أوا إذا لم يكونوا يقرأونها لما يتمكنوا من الوصول إلى السلطة، فيما شكك آخرون فى أن يكون لدى الحكام وقت لقراءة الكتب، وتمنى آخرون أن يكون لديهم الوقت لقراءة على الأقل القوانين، كى يتمكنوا من تنفيذها، وحل ما لدينا من مشاكل.
وفى فقرة «المختصر المفيد» استضاف فضل الباحث الإستراتيجى الدكتور عمرو الشوبكى ليتحدث عن كتابه «إسلاميون وديمقراطيون» وتجربة «تركيا» التى وصفها فضل بكونها أكبر هدية بعثها الله لمصر، وللمواطن المصرى الفاقد للأمل، والذى يسيطر عليه الاعتقاد بأننا بحاجة إلى سنوات طويلة للتغيير، حيث استطاعت دولة تركيا -كما قال-خلال 7 سنوات أن تحدث قفزة هائلة، وأن هناك العديد من الكتب التى ظهرت فى الفترة الأخيرة عن تركيا، منها كتاب «تركيا الصيغة والدور» وكتاب «تركيا البحث عن المستقبل».
وتناول فضل خلال تلك الفقرة الحديث عن بعد آخر فى التجربة التركية وهو «إشكاليات بناء تيار إسلامى ديمقراطى».. وكيف تمكنت «تركيا» من حل هذه الإشكالية فى ظل الصداع الدائم بالحديث عن الإسلاميين ووصواهم إلى الحكم.
فقال الشوبكى: «يعد السر فى نهضة (تركيا) هو أن الجمهورية التركية التى تأسست عام 1923 وضعت مجموعة من القواعد القانونية والدستورية التى احترمتها لأكثر من 85 سنة، فقواعد القانون فى (تركيا لم تنتهك، ولم تفصل لحساب مسؤول ما، وكان هناك اجتهاد من الجمهورية العلمانية فى تركيا، التى انتقدها الكثيرون فى العالم العربى وقالوا إنها تخلت عن الخلافة، فهذه الجمهورية لم تكن ديمقراطية طيلة الوقت، حيث بدأت التعددية المقيدة عام 46، لكن أبرز ما فيها هو أن القواعد الدستورية أو القانونية العامة اُحترمت منذ البداية وحتى الآن، فوجود قاعدة قانونية نتفق أو نختلف عليها هى الحاكمة للنظام السياسيى والاجتماعى والاقتصادى، فكل التيارات السياسية كان لها قيمة عليا، اسمها الجمهورية العلمانية التركية، وكانت القوى السياسية عليها أن تكيف وضعها، بحيث تنسجم مع هذه القيم والقواعد الأساسية، دون مانع من أن تبدى رغبتها فى تعديل بعض الأشياء، لكن مع احترام القيم العليا للمجتمع».
وأضاف الشوبكى: «فى عام 80 حدث انقلاب عسكرى فى (تركيا)، حيث تدخل الجيش فى العملية السياسية، ثم ظهر حزب (الرفاه الإسلامى) التقليدى، وكان يمكن أن نصفه بأنه الطبعة التركية من الأخوان المسلمين، مع وجود بعض الاختلافات لأنه كان حزباً سياسياً، ووصل رئيسه إلى الحكم بعد التحالف مع بعض الأحزاب، ثم قدم اجتهاداً سياسياً.
ورغم القيود الموجودة فى (تركيا) فإن الدولة منحت مساحة لشباب حزب (الرفاه) فى ذلك الوقت لطرح أفكار جديدة، كانت مناسبة للشارع التركى والأمة التركية، وشاهدنا ما حققوه من إنجازات، عكس ما حدث فى مصر عندما تعاملت مع أبناء الجيل الجديد، الذى تم منعه من ممارسة العمل السياسى».
وتابع: «لا يوجد لدينا أمل فى أن يتغير الإسلاميون فى مصر مثلما تغيروا فى تركيا، إلا إذا تغير الوضع السياسى فى مصر، والمخرج لنا من هذا المأزق هو مخرج فكرى، فعلينا أن نعيد طرح الأفكار الإصلاحية وأن ندعم الفكر المستنير، والجزء الأكبر فى هذه المسألة يتعلق بوضع قواعد يتفق عليها الجميع، ثم يتعلم الناس بعد ذلك كيفية الممارسة السياسية لأننا فى مصر مازال كل شىء متاحاً طالما لا تتحدث فى السياسية، لكن فى (تركيا) العكس، حيث يقبلك أن تتكلم فى السياسة، بشرط أن تحترم قواعد الدولة العلمانية والقانونية، ولدينا أمل أننا فى بحاجة إلى شخص يصلح النظام، ويطور الأوضاع الموجودة حالياً وهى مهمة غير سهلة». وفى فقرة «الروشتة» أكد المفكر ميلاد حنا أن مصر غنية جداً بالأدب والفكر واختصر روشتة فى نصح القارئ الجديد بأن ينوع فى القراءة للكتاب الكبار، والاطلاع على الموسوعات، منها موسوعة قصة الحضارة.
وذكر حنا بعض الكتب التى حازت مكانة لديه منها: «كتاب (الأيام) لطه حسين، وهو أهم كتاب عمله طه حسين، وكذلك كتاب (زيارة جديدة للتاريخ) لـ(محمد حسنين هيكل)، الذى له طرق عديدة للكتابة لكونه إنساناً مثقفاً، (ثلاثية نجيب محفوظ) الشهيرة، أنصح كل الشباب فى سن المراهقة الذين لديهم الرغبة فى الاستزادة بالمعرفة بأن يقرأوا لـ«نجيب محفوظ».
وفى فقرة «سور الأزبكية» تحدث الشاعر شعبان يوسف عن إهداءات الكتب، التى من الممكن أن تكون لذوى الحيثية، منها ما هو إلى الأصدقاء، فعميد الأدب العربى– على سبيل المثال- كان يجعل أحداً يكتب له الإهداء ثم يضع هو ختمه عليه، فأهدى كتاب «ألوان» لصديق له يدعى (حسن)، وهناك إهداء منه لمجموعة كتب عام 34 لـ«مصطفى النحاس»، رغم وجود خلافات فى ذلك الوقت بين «طه حسين» و«النحاس»،أما أول إهداء من نوعه فكان من الشاعر «مصطفى بهجت بدوى» إلى «عزيز صدقى»، أحد أبطال السد العالى، وهناك إهداء من «أحمد بهاء الدين» إلى «الرقيب»، وكان لكتاب «شهر فى روسيا»، وقال فيه: «العزيز (منير حافظ)، الذى كان له فضل اختصار الكتاب كى يظهر فى هذا الحجم الرشيد»، وفى فقرة «كتاب الأسبوع» اختار فضل كتاب «مواطنون لا ذميون» للكاتب الإسلامى فهمى هويدى، الذى قال عنه فضل: «لو كان الأمر بيدى لقررت هذا الكتاب على الطلبة المصريين فى المرحلة الثانوية، بل صرفت نسخة مدعومة لكل مواطن مصرى، فهو مواجهة علمية للأفكار الطائفية المتخلفة، التى تهدد مستقبل مصر، ورغم أن الكتاب ظهر منذ سنوات، فإنه لم يجد فى بلدنا نفعا، لأن الدولة تفضل الاستعانة بمشايخ الفتة فى مواجهة الفتنة»