x

طارق الشناوي محلاك يا مصرى وإنت ع الدفة! طارق الشناوي الخميس 22-12-2016 21:26


كانت ولاتزال بورسعيد تحظى بلقب صار لصيقا ومرادفا لاسمها (المدينة الباسلة)، التي تصدت للعدوان الثلاثى، وخلد كفاحها فيلم (بورسعيد) إنتاج وبطولة فريد شوقى وإخراج عز الدين ذو الفقار، وهى أيضا أكثر المدن التي ألهمت الشعراء للغناء باسمها (أمانة عليك أمانة يا مسافر بورسعيد/ لتبوس لى كل إيد/ حاربت في بورسعيد) بصوت شادية، وكلمات إسماعيل الحبروك، وتلحين محمد الموجي، الذي مزج بين العاطفة والوطن في لحن شعبى، كما أن عدوان 56 ألهمه واحدة من أشهر أغانينا الوطنية وأكثرها انتشارا (الله أكبر)، التي أصبحت أيضا نداء الجنود في 73.

تأميم القناة والعدوان الثلاثى كانا الطريق لعيد النصر، البداية مع القرار الذي أعلنه عبدالناصر لتأميم القناة 26 يوليو، لتشن قوى البغى الإسرائيلية والفرنسية والانجليزية العدوان الثلاثى، وتشتعل مصر بالأغنيات التي تمجد الكفاح الوطنى وتدعونا لحمل السلاح ودحر العدوان، وكانت البداية مع فايدة كامل وتلحين على إسماعيل، تأليف كمال عبدالحليم (ودع سمائى). نعم يمر الزمن ولكن لا يغيب النغم، وهكذا صارت أفراحنا الوطنية مرتبطة بلحظة زمنية رددنا فيها أغنية، تمر عقود من عمر الدنيا ويظل الفن حاضرا في قلوبنا بل (جيناتنا) لنورثه لأبنائنا، وهكذا في ذكرى الانتصار أعود إلى الأغنية التي صارت عنوانا لإرادة مصر ممثلة في الزعيم جمال عبدالناصر وقرار التأميم، وفى نفس الوقت تحمل اعتزازا بكفاءة المصرى القادر على تحمل المسؤولية وإنجاز المهام الصعبة.

(ريسنا قال مفيش محال/ راح الدخيل وابن البلد كفى/ محلاك يا مصرى وإنت ع الدفة/ والنصرة عاملة في البلد زفة/ يا ولاد بلدنا تعالوا ع الضفة). هكذا غنت أم كلثوم بكلمات المبدع صلاح جاهين وتلحين العبقرى محمد الموجى عام 57، عندما امتنع المرشدون الأجانب عن العمل في القناة لتعطيل الملاحة البحرية للنيل من مصر والتشهير بها أمام العالم وتقديمها في موقف العاجز عن تسيير السفن وضرب المصالح الاقتصادية للعديد من الدول، من أجل زرع حالة عدم ثقة في قدرات مصر على حماية القناة شريان العالم البحرى، فكان لابد من أن ينقذ المرشدون المصريون الموقف، ووصفتهم الأغنية (حيوا الرجال السمر فوق السفينة/ حيوا اللى جاهدوا عشان ما يفرح وادينا/ شُفت (الكنال) في إيدين رجال من بلادى/ رفرف عليهم قلبى من كل فرحه). إنها حالة من البهجة بثتها- ولاتزال- هذه الأغنية، يكفى أن تستمع إلى موسيقاها بدون حتى كلمات لتجد أن قلبك يرفرف ويرقص طربا وفرحا وعزة، لتظل فرحة (الكنال) لها أغنية واحدة مهما تعددت المناسبات وتباينت حتى التوجهات السياسية من حقبة إلى أخرى، ولهذه الأغنية أكثر من حكاية.

أغانى معركة 56 تعددت، وكان عنوانها «والله زمان يا سلاحى»، الذي كان سلامنا الوطنى حتى عام 79 بعد «كامب ديفيد»، عندما استبدله الرئيس السادات بأغنية سيد درويش «بلادى بلادى» التي كتبها الشيخ يونس القاضى، لتتواءم مع توجه مصر للسلام، ولأغنية «والله زمان يا سلاحى» والتى كتبها صلاح جاهين ولحنها كمال الطويل قصة، عندما اندفع الطويل لا شعوريا للبيانو بعد أن بدأ العدوان الثلاثى على مصر، ردد الطويل كلمات «والله زمان يا سلاحى» واتصل بصديقه صلاح جاهين فكتب على الموسيقى باقى الكلمات، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تغنى فيها أم كلثوم لكل من الطويل وجاهين، وأظن أن تلك الواقعة كانت هي التي دفعت صلاح ليكتب لأم كلثوم وبدون تكليف منها «محلاك يا مصرى»، وأسمعها على الفور لسيدة الغناء ولم تعترض سوى على جملة واحدة وهى «يا أهل مصر تعالوا ع الضفة»، فقالت يعنى إيه يا أهل مصر؟ لم توافق، استشعرت أن الكلمات تجرح روح الأغنية واستبدلتها بـ«يا ولاد بلدنا تعالوا ع الضفة» ووافق جاهين.

وعلى الفور رشحت أم كلثوم الموجى الذي ذهب للفيلا في لحظات، وكانت أم كلثوم قد غنت له من قبل «نشيد الجلاء»، بالإضافة إلى قصيدتين «أوقدوا الشموس» و«حانة الأقدار» في أوبريت رابعة العدوية، وهكذا جاء ترشيحها منطقيا لاسم الموجى في «محلاك يا مصرى»، وضع الموجى اللحن وهو في طريق العودة من فيلا أم كلثوم في حى الزمالك شارع (الجبلاية) لبيته في حى العباسية شارع (البراد)، حيث وجد نفسه يدندنه كاملا في الشارع، وبمجرد عودته للبيت أمسك بالعود وسجله، في اليوم التالى طلب الموجى من أم كلثوم أن يتولى هو تحفيظ الفرقة الموسيقية، والمعروف أن الموجى لا يكتب نوتة موسيقية، ولكنه رجاها ألا تُكلف أحدا بكتابة النوتة إلا بعد أن يتولى هو تحفيظ الفرقة اللحن وكل عازف على حدة، لأنه كان يرى أن الإحساس بالجملة الموسيقية لن يصل بمجرد قراءة اللحن مدونا، واستمر التسجيل ثلاث ساعات، بينما زمن الأغنية لا يتجاوز 15 دقيقة، لتصبح هي فرحة (الكنال) في 56 و57 و73 وفى كل زمان.


[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية