قبل أكثر من عام ذهبت إلى السينما القريبة من منزلى ذات الشاشات الست بحثا عن الفيلم، قالت لى موظفة الشباك ألغينا العرض، لا أحد قطع التذكرة، توجهت لوسط المدينة حيث سينما أخرى لديها أربع شاشات، قالوا لى الفيلم يعرض فى حفلات محدودة وأنت وحظك وتوجهت للشباك واكتشفت وقتها فقط كم أنا محظوظ، كنت الزبون رقم خمسة، وفى دار العرض أثناء الاستراحة وجدت أننا صرنا ثمانية، والثلاثة الزيادة هم مندوب شركة الإنتاج الذى يتواجد فى السينما للمتابعة بينما حضر المنتج والمخرج عندما عرفا أنى أشاهد الفيلم، قررا المجىء ليس لرؤية وجهى بالطبع ولكن لتقديم شكوى، وأرادا أن تصل للمسؤولين، وتصورا ولا أدرى كيف ولماذا وبأمارة إيه؟ إن المسؤولين فى وزارة الثقافة وغرفة صناعة السينما، يعملون لى ولكلمتى ألف حساب، قال لى المنتج الذى تشى لهجته بأنه صعيدى، إن الفيلم يُحارب من الشركات الكبرى التى تملك دور عرض وهم فى نفس الوقت لديهم أفلامهم التى ينتجونها وبالطبع ينحازون إليها، قلت له ((كلام جميل وكلام معقول))، وسألنى عن رأيى فى الفيلم، قلت له، وظيفتى أن أكتب، ولا تقلق بضعة أيام وستجد رأيا منشورا على صفحات أوسع الجرائد المستقلة انتشارا ((المصرى اليوم))، نسيت أن أقول لكم إن اسم الفيلم ((كرم الكنج))، يبدو أن كلمتى فتحت نفسه وقال لى أريد فقط كلمتين، أجبته لا أريد إحباطك، أجابنى أحبطنى، قلت له فيلمك به عيبان قاتلان، أولا أنه على مستوى الكتابة والإخراج متواضع، بل صفة متواضع مهذبة جدا بالقياس للشريط السينمائى الذى شاهدته، قال لى المخرج حازم فودة إنه ابن الكاتب الراحل حسام حازم، وكان والده كاتبا لاذعا وصديقا عزيزا، داعبته قائلا لو أبوك شاف الفيلم ده كان كتب مقالا ساخرا لن تستطيع بعده ولمدة شهر على الأقل أن تغادر منزلك، وأضفت ورغم سوء مستوى الشريط، فإن هذا الفيلم بتلك الحالة المتردية كان من الممكن أن يحقق إيرادات أعلى بكثير لو أسندت بطولته لنجم قادر على جذب الجمهور، لأن هذه التيمة الشعبية، لها جمهورها على شرط أن يتقبله من نجم يتماهى معه، ومحمود عبدالمغنى بطل الفيلم، ممثل موهوب ولا شك فى الأدوار الثانية ولكنه بطل منزوع الجماهيرية، أجابنى المنتج أنه لم يكن يدرى أنه قبل أشهر قلائل عرض لعبدالمغنى فيلم ((النوبطشى)) ولاقى فشلا ذريعا، فهو غير متابع للسينما، ولكن هناك من أغراه باقتحام هذا المجال، واتهم ((الريجيسير)) بأنه غرر به ورشح له البطل قائلا له إنه نجم شباك كبير.
نحن أمام مأزق مزدوج، نظام احتكارى يمنع ولادة أى عمل فنى خارج رحم تلك الشركات الكبرى التى تنتج وتوزع الأفلام، وفى نفس الوقت منتجون يقتحمون مجالا فنيا، وهم آخر من يعلم قواعده، ولا يدركون مفردات اللعبة السينمائية فيقعون ضحية من يستغل جهلهم بنظام السينما، كثير من المنتجين كانت تجربتهم الأولى هى أيضا الأخيرة.
لو تجاوزت الفيلم وازدادت الدائرة اتساعا، ستجد أن لدينا أقل من 400 شاشة فى مصر كلها، كما تؤكد أرقام غرفة صناعة السينما، المفروض طبقا لعدد السكان أن يصل العدد لـ4 آلاف، طبقا للمقاييس العالمية، نصف الشاشات فى القاهرة، ولدينا عدد من المحافظات ليس لديها دور عرض. السينما المصرية تتحرك أيضا وفقاً لمعايير مجحفة لشرط قاس جداً وهو إرادة النجوم، ولهذا يخفت تواجدنا فى المهرجانات ويتضاءل عدد الجوائز التى تحصل عليها بالقياس للعديد من الدول العربية.
ويبقى بصيص الأمل فى الأفلام التى نصفها عنوة بالمستقلة، والتى تحاول إثبات نفسها، وتلك الأفلام تحديدا تلقى عنتا وإهمالا بل وعداءً من أصحاب دور العرض، أفلام مثل «هليوبوليس» للمخرج «أحمد عبدالله» أو«عين شمس» لإبراهيم بطوط أو ((الخروج للنهار)) لهالة لطفى، وغيرها لا تجد ترحيبا، بل إن فيلم ((اشتباك)) للمخرج محمد دياب برغم أنه يستعين بأسماء يعرفها الجمهور المصرى مثل نيللى كريم وهانى عادل وطارق عبدالعزيز إلا أنه فى المحصلة النهائية يقدم روحا سينمائية خارج المنظومة لهذا لم تفتح له أبواب العديد من دور العرض، فيلم مثل ((على معزة وإبراهيم)) لشريف البندارى الذى مثل مصر فى مهرجان ((دبى)) القادم، أتصوره سيجد صعوبة فى العرض التجارى لأن أبطاله ناهد السباعى وأحمد مجدى وسلوى محمد على ليسوا من بين نجوم الشباك، فيلم مثل ((أخضر يابس)) لمحمد حماد الذى شارك فى مهرجان ((لو كارنو)) وأبطاله لأول مرة يقفون أمام الكاميرا لن يجد بالتأكيد من يحنو عليه، شركات الإنتاج التى تمتلك دور العرض لن تسمح بأى عمل فنى خارج الصندوق، فهو بالنسبة لها يشكل عبئا تجاريا، ربما تخرج عن هذه المنظومة فقط ماريان خورى ودار عرض ((زاوية))، بمقاعدها الـ150، ولا يمكن أن تصل هذه الأفلام للجمهور ولا أن تُصبح رافدا جديدا للسينما، بسبب حالة التضييق.
الدولة ستسترد 24 دار عرض قريبا كانت تملكها، قبل أن تفض يديها من السينما تماما، فهل ستصبح بمثابة انفراجة لها، أم أنها ستشكل عبئا إداريا على كاهل وزارة الثقافة ، هل من الممكن أن تقف الدولة على الحياد وتترك قواعد السوق والعرض والطلب تقتل هذه الأفلام، طبيعة التجربة لا ترصد سوى أرقام متواضعة فى ميزانية الأجور لأبطال الفيلم، والحقيقة أن هذه تبدو مجرد ملامح شكلية لطبيعة هذا النوع من الإنتاج، الأهم هو الفكر الذى يحمله المخرج وهو ما نجح فيه «أحمد عبدالله» الكاتب والمخرج وأيضاً المونتير فى فيلمه الأول «هليوبوليس» وهو ما رأيته فى أفلامه التالية مثل ((ميكروفون)) و((فرش وغطا)) و((ديكور)). ويبقى السؤال هل يتغير وجه السينما المصرية التى نراها خاضعة لإرادة النجوم؟! هل من الممكن أن تتمرد على تلك القواعد الخانقة التى تمنعها من أن تتنفس أوكسجين السينما؟! نظام الاحتكار يجعل الغرفة والتى تضم مجلس إدارة أغلب أعضائه ينتجون ويملكون فى نفس الوقت دور العرض، تضع أمامها هدفا واحدا هو زيادة نسخ الفيلم الأجنبى- مقصود به الأمريكى- لأنهم اكتشفوا أن الإنتاج مخاطرة غير مأمونة العواقب، وذلك فى ظل استسلام الدولة تماما للقرصنة، فصار المنتج يتم ابتزازه عينى عينك، وهو يفاوض هؤلاء السارقين بأن يمنحهم أموالا، مقابل أن يتركوا فيلمه بضعة أسابيع فى دور العرض، قبل أن يعرضوه على شاشاتهم الفضائية.
السينما المصرية تواجه عدوانا ثلاثيا يتمثل فى الاحتكار والقرصنة وصمت الدولة!!.