x

عبد اللطيف المناوي رشيد محمد رشيد عبد اللطيف المناوي الأربعاء 30-11-2016 21:17


على بوابة الدخول إلى الطائرة المتجهة إلى الدوحة من دبى استوقفتنى المضيفة، ووجهت كلامها لى قائلة: «أنت آخر من توقعت أن تذهب إلى قطر!». كان ذلك فى نهاية 2012، وكانت الدوحة وقتها قبلة للكثيرين الذين أصابتهم حالة فقدان ذاكرة اختيارى فيما بعد، فتنكروا لتاريخهم ليحتلوا موقعاً فى ظل نظام جديد.

كانت المضيفة مصرية، تابعت واهتمت، ككل المصريين، وقتها، بتفاصيل كل ما حدث ويحدث فى مصر، وكل الأشخاص المرتبطين بهذه الأحداث. استوقفنى تعليقها، فموقفى من النظام هناك وعلمى بحجم تورطه فى زعزعة مصر والتآمر عليها كان معروفا، واستطردت قائلة: «ما تطولش، وخد بالك من نفسك»، أجبتها بأنى ذاهب لألتقى بأخٍ وصديق مضطر للإقامة هناك، ولولاه، ولولا رغبتى الشديدة فى لقائه ما غامرت بذهابى، وما تحملت العبء النفسى لأذهب هناك، فى ظل نظام لا أظنه معبرا بشكل صحيح عن توجهات أهل قطر.

الأخ والصديق الذى كنت ذاهبا للقائه كان المهندس رشيد محمد رشيد، عرفته بعدما تولى وزارة الصناعة بأسابيع قليلة، رتب اللقاء وقتها صديق مشترك عندما سمع منى انتقادات حادة لاختيار رجال أعمال ليتولوا مناصب وزارية، أجابنى وقتها أن رشيد مختلف، وطلب أن ألتقى به قبل أن أحكم عليه. استقبلنى، وقتها، فى مكتبه فى الوزارة، كان مواجها لفندق سميراميس الذى أقام فيه لفترة، لأنه أصلا «إسكندرانى». وجدت رجلاً يعرف كيف يسمع، ويحرص على أن يسأل ليعرف ما لا يعرف، ولا يدعى ما ليس لديه. نموذج مختلف لمسؤول مصرى.

التقيت به بعد ذلك مرات عديدة، سألته فى إحدى المرات: ما حجم أصحاب رؤية التغيير داخل منظومة الدولة، مؤسسات وحزبا، وكان صريحا عندما قال: «لا يزيد على عشرة فى المائة، والهدف أن نبنى تياراً أكبر، قادرا على تحقيق تغيير حقيقى».

آخر لقاء لى معه قبل أحداث يناير كان قبلها بحوالى أسبوع، وكانت رؤيته وشرحه للواقع متسقين، إلى حد بعيد، مع ما حدث بعد ذلك، ليس مع تفاصيل ما حدث، ولكن تفسيره ومقدماته.

ليس الآن مجال الحديث عن رؤيته وجديته فى التعامل مع مسؤولياته التى تحملها بصدق وأمانة. وليس الآن وقت الإشارة إليه باعتباره كان من بين مسؤولين قلائل- لا أدرى إن كانوا يجاوزون أصابع اليد الواحدة- يمتلكون رؤية متكاملة لإدارة مصر، وقدرة على التفكير بشكل متكامل فى أبعاد وزوايا الصورة المختلفة بقطاعاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. لذلك عندما صدر قرار النائب العام وقتها بمنعه من السفر ومن التصرف فى أمواله والتحقيق معه فى مخالفات أضرت بالمال العام، وكان ذلك فى إطار محاولة النظام تقديم قرابين للمتظاهرين فى محاولة لاحتوائهم، عندما صدر ذلك القرار لم أكن وحدى الذى فوجئ بهذا القرار مستنكراً إياه، ولكنى أظن أن القطاع الأكبر من المصريين وقتها أصابتهم نفس الدهشة.

فعلى الرغم من انتماء المهندس رشيد إلى رجال الأعمال الكبار، وهو أمر يؤهله لمشاعر سلبية لدى قطاعات كبيرة من الجمهور، خاصة وقتها، فالغريب أنه كان يلقى قبولاً كبيراً لدى القطاع الأكبر من المصريين، فسماحته وتواضعه وانتماؤه إلى الناس، ورغبته الجادة فى العمل من أجلهم انتقلت إلى الناس، وكان ذلك إحدى أهم الوسائل التى يلجأ إليها الرئيس الأسبق مبارك، عندما تكون هناك موضوعات وسياسات اقتصادية مطلوب أن تصل للرأى العام.

كان محظوظاً عندما خرج مصادفة قبل صدور قرار النائب العام، وهذه قصة، حقه وحده أن يحكيها يوما ما إن أراد.

تعرض المهندس رشيد لحملات تشويه، تعرضوا لذمته المالية، وشككوا فى مصدر ثروته هو وأهله، وظلوا يلمحون، خاصة بعد سقوط الإخوان، إلى إقامته فى قطر. لم تنجح هذه الحملات كثيراً، ولم يحاول المهندس رشيد التفاعل معها، ولم يصدق قطاع كبير من المصريين مضمون هذه الحملات، فلقد ظلت صورة الرجل فى أذهانهم كما كانت إلى حد كبير وقت أن كان فى موقع المسؤولية. أما مسألة وجوده فى قطر فأيضا له وحده الحق فى أن يشرح ملابساتها عندما يقرر، وهى مقنعة إلى حد كبير. ويظل تقييم الرجال بمواقفهم وليس أماكن تواجدهم التى قد يضطرون اليها أحياناً. يضاف إلى ذلك أن الرجل لم يتوقف عن أن يقدم ما يستطيع من مجهود أو تواصل أو تفكير، عندما كان يُطلب منه ذلك. بدأ ذلك من اليوم التالى لمغادرته مصر وحتى الآن.

الكلام كثير، ولكنى اليوم أردت فقط تأكيد المعنى الذى هو من حق المهندس رشيد وكل عائلته، وهو أن المهندس رشيد لم يتربح من وراء الوظيفة العامة، حيث إن أموال العائلة واستثماراتها انتقلت إليهم من ميراث أبيه وفترة عمله كرجل أعمال قبل تعيينه بالوزارة، ولم يستغل أى منصب شغله، (حزبيا أو وزيرا للتجارة والصناعة) للحصول على معلومة أو تحقيق ربح أو منفعة شخصية لنفسه أو للغير.

هذا حقه علىّ وعلى كل من يعتقد فى ذلك، وهم كثر.

info @bahrawy.com

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية