x

عبد الناصر سلامة تليفزيون الأجهزة السيادية! عبد الناصر سلامة الثلاثاء 20-09-2016 21:41


مجموعة قنوات تليفزيونية متنوعة فى الطريق إلى المشاهدين، فى البداية قالوا بتمويل رجل أعمال إماراتى، بعد ذلك أصبح رجل أعمال مصريا، فى الحالتين قالوا إن أحد الأجهزة السيادية هو الذى سيدير، الممول مجرد واجهة، عدم الوضوح هو سبب الشائعات الكثيرة، التجربة أثبتت أن مثل هذه الأمور يستحيل التعامل معها كأسرار، الحقائق تتكشف يوماً بعد يوم، الهدف من القنوات- كما أشيع- هو منافسة القنوات الخاصة المحلية، ومجموعة الجزيرة القطرية، أى أنها سياسية، ورياضية، وثقافية، ومنوعات، كل شىء تقريباً، زوجة المسؤول فلان هى رئيسة مجموعة القنوات، قد تكون المسؤولة المعلَنة، وقد تكون أيضاً من وراء الستار.

فى كل الأحوال، نحن أمام عمل فاشل قبل أن يبدأ، نحن أمام ما يُشبه صحيفة الحزب الوطنى الديمقراطى، التى بمرور الوقت لم يكن يقتنيها أعضاء الحزب أنفسهم، لو أن أى قنوات تليفزيونية قد سبقتها مثل هذه الدعاية السلبية، التى تؤكد أنها سوف تخضع لرقابة أو إدارة أجهزة سيادية فإن النتيجة الحتمية هى الفشل، وهذا ما كان يجب أن يجزم به الأكاديميون، المتخصصون فى فنون الإعلام المختلفة، الذين شاركوا منذ البداية فى اجتماعات عديدة بخصوص هذه القنوات، إلا أنهم آثروا السلامة، كما حال التعامل مع معظم مشروعات المرحلة.

الأمر الأكثر أهمية هو أن هناك عددا كبيرا من القنوات التليفزيونية، الفضائية والأرضية، المركزية والإقليمية، المملوكة للدولة، من إخبارية ومنوعات وثقافية ودراما وأفلام وغيرها، كان يمكن العمل على النهوض بها، بدلاً من هذا الانهيار الذى يعتريها على كل المستويات، والخسائر المالية غير المسبوقة عالمياً، على الرغم من أنها تضم من الكفاءات الكثير والكثير، هى لا تتطلب أكثر من وضعها تحت المنظار بعضاً من الوقت، إن فى صورة إعادة هيكلة، وإن فى صورة تغيير قيادات، إلا أنها للأسف أيضاً الحالة المصرية، وكأننا أردنا بأيدينا كتابة شهادة وفاة للتليفزيون الرسمى، أردنا هدمه وقتله، بدلاً من العمل على إحيائه، فى الوقت الذى توسمنا فيه مع قياداته الجديدة، برئاسة السيدة صفاء حجازى، نهضة شاملة أرضية وفضائية.

بدا واضحاً من تتابع ظهور الأسماء والشخصيات التى سوف تعتمد عليها هذه القنوات الجديدة، فى كل المجالات بلا استثناء، أنها ركزت أيضاً فى البحث والاختيار على أهل الثقة، بديلاً لأهل الخبرة أو الكفاءة، كما هى طبيعة المرحلة، وهو ما يجعلنا نؤكد الحكم بالفشل، حتى وإن تم جلب مدرِّبين لهؤلاء خلال الشهور والأسابيع الماضية فى مجالات مختلفة أيضاً، ذلك لأن ترشيحات الأجهزة والمؤسسات بالتأكيد سوف تتفوق على عامل الموهبة أو الكفاءة، كما أن أصحاب الرأى الآخر من الطبيعى ألا يكون لهم مكان فى مثل هذه المواقع.

دعونا نعد بالذاكرة إلى قناة الجزيرة الإخبارية القطرية، فى بداية إنشائها منتصف تسعينيات القرن الماضى، لنرى أو نسترجع الأسماء التى كانت تظهر على الشاشة فى ذلك الوقت، وكم كانت من الاحتراف لدرجة غير مسبوقة، بعد أن تم جلب معظمهم، إن لم يكن جميعهم، فى ذلك الوقت، من هيئة الإذاعة البريطانية الـ«بى. بى. سى»، وهو الأمر الذى جعلها تنتشر فى كل بيت ومكتب ومقهى وشارع، انتشار البرق، فأصبحت بحكم الواقع، وحتى اللحظة، بمثابة دولة اسمها الجزيرة، تبث إرسالها من شبه جزيرة اسمها قطر، هذه هى الحقيقة التى لا يغفلها أى منصف، حتى القطريون ذاتهم.

وإذا عدنا بالذاكرة أيضاً لما قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، لنقف على أسباب انفضاض المشاهدين من أمام التليفزيون الرسمى للدولة، المعروف بتليفزيون «ماسبيرو» إلى التليفزيونات الخاصة، لأمكن لنا أن نعى أسباب حكمنا المسبق على مثل هذه القنوات التى نحن بصددها، وهو تجاهلها الرأى الآخر، حتى وإن بدت تعمل فى هذا الاتجاه، من خلال شخصيات مصنوعة، أو معارضة غير حقيقية، كما هو حال تليفزيونات ماسبيرو، قبل وبعد التاريخ المشار إليه.

ما أردت قوله بوضوح هو أن الترويج، إن عمداً وإن دون قصد، لوجود أحد الأجهزة السيادية خلف هذه القنوات، قد أضر بها أيما ضرر، حتى قبل أن تبدأ البث، وهو ما كان يجب نفيه فوراً، فما هكذا يُدار الإعلام، ولا هكذا يمكن أن ينجح، كما أن الاعتماد على وجوه لم تعد مقبولة، أو حتى مقبولة إلا أنها محسوبة على الأجهزة الأمنية، هو أيضاً أمر يجب إعادة النظر فيه من كل الوجوه، ناهيك فى هذا الصدد عن فكرة انصراف الأجهزة السيادية عن عملها الحقيقى إلى أنشطة أخرى.

وفى كل الأحوال، تجدر الإشارة إلى تلك الرسالة التى يجب أن يعيها الدانى والقاصى، وهى أنه مهما كان حجم القنوات التليفزيونية التابعة لأى نظام سياسى، ومهما كان عدد الصحف، ومهما كان عدد كُتَّاب السلطان ومذيعى السلطة، وضيوف البرامج التابعين، من خبراء واستراتيجيين ومتقاعدين وغيرهم، كل هؤلاء لن يستطيعوا أبداً تجميل أى نظام لا يحقق نجاحاً على أرض الواقع، ذلك أنهم يمكن أن يخدعوا المشاهدين ليلاً، إلا أن ذلك سوف يتم اكتشافه مع بزوغ شمس اليوم التالى، مع المعاناة على الطبيعة من تردى الخدمات، وارتفاع الأسعار، وغير ذلك من مآسٍ.

هذا الأمر يجعل كل هذه النفقات الفضائية مجرد عبء يضاف إلى أعباء الدولة اليومية، فى صورة إهدار مال عام، أو حتى إهدار مال خاص، مع الأخذ فى الاعتبار أن أى مستثمر أو رجل أعمال لن يقبل الاستمرار فى الإنفاق على مشروع فاشل، كما أن المعلنين أيضاً كذلك، مهما كان حجم الضغوط التى سوف تمارَس عليهم، وهو ما يؤكد أهمية تحقيق إنجازات تفيد المواطن على أرض الواقع، اقتصادياً واجتماعياً، من خلال استثمارات حقيقية، بدلاً من كل ذلك الهراء.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية