x

مكاوي سعيد بيرم التونسى وصبيانه: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم! (1) مكاوي سعيد الأربعاء 17-08-2016 21:45


شاعر العامية الأكبر «بيرم التونسى»، وُلد فى الرابع من مارس عام 1893، فى أحد منازل حى (السيالة) بمنطقة الأنفوشى فى مدينة الإسكندرية. لم يتلق تعليماً منتظماً واقتصر تعليمه على مبادئ العلوم الدينية التى تلقاها فى كتّاب بزاوية الشيخ خطاب بحى الأنفوشى، ثم فى مسجد المرسى أبوالعباس، وبدأ حياته العملية كبائع فى متجر المنسوجات الذى يمتلكه والده بحى الأنفوشى ذاته، لكنه انقطع عن الدراسة بعد وفاة والده، واضطر تحت ضغط الحاجة وتنكر أقارب والده له- أصحاب الدكاكين فى الإسكندرية- إلى العمل فى وظائف صغيرة. وبعد وفاة والدته فى منتصف عام 1910، وكانت متيسرة جدا، آل إليه من ميراث والدته الكثير، وكانت تلك لحظة التحول فى حياته ومستقبله مع أولى بشائر عام 1911، حينها عمل فى تجارة صفائح السمن بالجملة وراجت تجارته لفترة قصيرة، ثم كسدت تجارته تحت وطأة الضرائب الكثيرة التى كانت تُفرض على التجار من قبل المجلس البلدى لمدينة الإسكندرية، وهو مجلس مكون فى تلك الآونة من أعضاء غالبيتهم من الأجانب. وقد حرك هذا الموقف كوامن موهبته التى كان يغذيها بقراءة منهجية للشعر العامى والفصيح. وكتب أول أزجاله فى هجاء المجلس البلدى ونشرها فى صحيفة «الأهالى» التى كان يصدرها «عبدالقادر حمزة».. واشتهرت القصيدة بمجرد نشرها وغدت على كل لسان.. وكسبنا شاعراً وخسرنا تاجراً.

وهذه بعض أبيات القصيدة التى عرّفتنا بهذا الشاعر النابغة: (قد أوقع القلب فى الأشجان والكمد.. هوى حبيب يسمى المجلس البلدى. إذا الرغيف أتى فالنصف آكله.. والنصف أتركه للمجلس البلدى. وما كسوت عيالى فى الشتاء ولا.. فى الصيف إلا كسوت المجلس البلدى. كأن أمى بلّ الله تربتها.. أوصت فقالت أخوك المجلس البلدى. أخشى الزواج فإن يوم الزفاف أتى.. يبغى عروسى صديقى المجلس البلدى. وربما وهب الرحمن لى ولداً.. فى بطنها يدعيه المجلس البلدى. يا بائع الفجل بالمليم واحدة.. كم للعيال وكم للمجلس البلدى).

ثم جاءت أحداث ثورة 1919 وتفاعل معها بيرم لتزداد حدة الثورة والتمرد فى نفسه، وكان اللقاء الأول بالموسيقار سيد درويش، الذى أُعجب بأشعار بيرم والأفكار الثورية التى يتشاركان فيها، فطلب الشيخ من بيرم تأليف أوبريت يلهب حماسة المصريين، وهذا نص كلام سيد درويش: «حجة الإنجليز الدائمة لتبرير استعبادنا أننا شعب ضعيف لا يستطيع حكم نفسه، عشان كده أنا شايف إن الأوبريت من أوله لآخره يكون تمجيدا للإنسان المصرى». ولإجادته الفرنسية اقتبس بيرم «أوبريت» فرنسياً اسمه (دوقة جيرولستين الكبيرة) ومصّره ليناسب الواقع المصرى، واتفق الاثنان على تسميته (شهوزاد)، فى إشارة علنية إلى شهوات الأسرة الحاكمة، لكن الرقابة رفضت الاسم فتم تعديله إلى (شهرزاد).. وعُرض الأوبريت للأسف بعد رحيل «بيرم» الأول، منفياً خارج البلاد إلى وطن أجداده بتونس، فى يوم عيد الأضحى الموافق 25 أغسطس 1920. ويتضمن هذا الأوبريت أروع أبيات قيلت فى الشعب المصرى، ونحن مازلنا نحفظها ونستعين بها فى مواجهة كل خطب عسير، ومنها: أنا المصرى كريم العنصرين بنيت المجد بين الأهرمين.. جدودى أنشأوا العلم العجيب ومجرى النيل فى الوادى الخصيب.

غادر بيرم مصر إلى تونس ووجد هناك تضييقا كثيرا عليه، وعاملوه على أنه تركى وليس تونسياً، ولم يسمحوا له بالعمل إلا فى العتالة والأعمال الشاقة، وضاق بيرم من الرقابة البوليسية فرحل بعد أربعة شهور إلى مارسيليا بفرنسا، ولم يستطع المكوث فيها أكثر من ثلاثة أيام وغادرها إلى باريس، ولم تكن الأحوال ميسرة كما تصور، ونصحه بعض المغتربين بالسفر إلى مدينة الصلب «ليون»، واكتشف أنها مدينة لأهلها قلوب مثل الصلب لا تعرف الرحمة والشفقة، وأنها معتمة تماما كما يصفها الفرنسيون أنفسهم. ولم يستطع بيرم مواصلة هذه الحياة القاسية والابتعاد عن زوجته وأولاده لأكثر من عام ونصف، وبدأ البحث عن طريقة تعيده إلى مصر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية