x

محمد حبيب الإخوان.. والتكفير محمد حبيب السبت 13-08-2016 22:21


قضية التكفير من أخطر القضايا التى يقع فيها البعض، ممن لا علم لهم ولا فقه.. وهؤلاء يستندون فى تبنيهم لهذا الفكر إلى الآية «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» (المائدة: ٤٤)، على اعتبار أن الأنظمة الحاكمة فى وطننا العربى لا تحكم بما أنزل الله.. غير أن المعنى الحقيقى للآية هو أن من يحكم بغير ما أنزل الله، مستهينا أو جاحدا أو متعمدا (فى قول بعض المفسرين) فهو كافر.. وقال بعض العلماء: من أقر به ولم يحكم به، فهو ظالم.. قال الثورى عن ابن جريج عن عطاء: «كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق».. وقال طاووس: «ليس بكفر ينقل عن الملة».. ويقول ابن عباس: «ليس بالكفر الذى تذهبون إليه».. فأين يقف الإخوان من قضية التكفير؟!

فى الواقع، لم يكن «البنا»- مؤسس الجماعة- تكفيريا، ولم يؤثر عنه ذلك، سواء فى مواقفه أو فى كتاباته، وقد كان ينظر إلى كل من تسمى بأسماء المسلمين على أنه مسلم، بل خاطب كافة المسؤولين آنذاك على أنهم مسلمون.. وفى الأصل الأخير من «الأصول العشرين»، يقول: «لا نكفر مسلما أقر بالشهادتين، وعمل بمقتضاهما، وأدى الفرائض، برأى أو معصية، إلا إن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذّب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر».

وعلى النقيض، اعتبر سيد قطب جميع المجتمعات القائمة، آنذاك، حتى التى كانت تزعم لنفسها أنها مسلمة، هى مجتمعات جاهلية، وأننا فى جاهلية تامة، إذ «كل ما حولنا جاهلية».. والجاهلية التى يقصدها «قطب» هى «الاعتداء على سلطان الله فى الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية، وهى الحاكمية».. ولا يقصد قطب (كما يشير القرضاوى) جاهلية العمل والسلوك، وإنما جاهلية العقيدة، فحكم بذلك بكفر الأمة بأكملها، ولم يعتبرها مرتدة لأنها لم تدخل الإسلام من الأصل، على اعتبار عدم فهمها معنى شهادة لا إله إلا الله.

وقد غالى، فخلع عن «لا إله إلا الله» بالكلية كل من قصر فى جانب من جوانبها، حتى إن كان تقصيرا، وليس إنكارا، ولم يفرق فى ذلك بين الأصول والفروع، ولا بين العالم والجاهل، وجعل المسائل كلها من العقائد. ويرى قطب أن المسلمين هم «مسلمون نظريا»، وأنه «لم يعد للمسلمين إسلام»، وأن الاسلام «يرفض الاعتراف بشرعية هذه المجتمعات كلها»، الأمر الذى اعتبره د. محمد عمارة مستوى من المجازفة والغلو غير مسبوق فى تاريخ الصحوة الإسلامية الحديثة والمعاصرة على الإطلاق.

ولم يكن الهضيبى (الأب)، أو التلمسانى، أو أبوالنصر، أو مشهور، أو حتى عاكف تكفيريين.. وكان مشهور إذا سمع أحد المسؤولين من نظام حكم مبارك يتناول فيه الجماعة بسوء، يردد دائما قوله- تعالى-: «قد نعلم إنه ليحزنك الذى يقولون، فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون» (الأنعام: ٣٣)، فسأله المأمون الهضيبى (مستنكرا): يا مصطفى.. هل تكفر النظام؟ فرد مشهور قائلا: لا.. فقال الهضيبى: إذا لا تعد إلى ترديد هذه الآية فى هذه المناسبة مرة أخرى.

والذى حدث أن مشهور التزم فعلا بتلك النصيحة، ورحم الله الجميع.. وقد أخبرنى الهضيبى يوما أنه كان ضمن من شاركوا فى وضع كتاب «دعاة لا قضاة» الذى تولى الرد على التكفيريين داخل السجون.. نعم كان مشهور مبرزا فى التخطيط والتربية والتكوين، لكن لم يكن لديه علم وفقه المأمون الهضيبى.. وقد لعب الأخير دورا كبيرا من منتصف الثمانينيات وحتى وفاته فى يناير ٢٠٠٤ فى الحفاظ على خط الجماعة، بعيدا عن التكفير والعنف، وتبنيها الديمقراطية والشورى الملزمة، علاوة على ضرورة مشاركة الأخوات فى الانتخابات النيابية.. ولا شك أن الرجل نافح طويلا من أجل أن تتحول الجماعة بكل أقسامها إلى حزب سياسى، وليس كما كان يرى مشهور أن يكون الحزب مجرد قسم من أقسام الجماعة.. ولو أن العمر امتد بالمستشار الهضيبى لكان للجماعة شأن آخر، لكن هكذا شاء الله رب العالمين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية