قام مئات آلاف الأشخاص بتقديم مساعدات للاجئين القادمين من البلدان التي مزقتها الحروب، من أجل التكيف مع الحياة في ألمانيا. أحد هؤلاء المتطوعين هو المحامي فيديغ فون هايدن، الذي يحكي عن تجربته في مساعدة سوريين في بون. فيديغ فون هايدن، عضو سابق في المجلس الاستشاري للعلوم في ألمانيا، ويعيش في إحدى ضواحي مدينة بون.
بدأ المحامي السابق الحديث لـDW عن تجاربه فقال: «لقد عملت مع الجامعات والعلوم لمدة 45 عاماً وكانت وزارة العلوم موجودة في مدينة بون، لذلك اضطررت إلى الانتقال إلى هنا، وقبل ذلك كنت في ميونيخ، ولكنني جئت أصلاً من مدينة هامبورغ – حيث كانت نشأتي».
الاستعداد للمساعدة بعد بضع سنوات من تقاعده في عام 2008، سمع فون هايدن عن لاجئين يعبرون البحر المتوسط، ويأتون إلى ألمانيا. ويحكي فون هايدن: «قلت في نفسي إن شخصاً مثلي لديه الكثير من الوقت. كما أنني أعيش مرتاحاً وسيكون من المفيد القيام بشيء من هذا القبيل»، يقصد التطوع لمساعدة اللاجئين. ويتابع المحامي السابق في حديثه لـDW: «ثم ذهبت إلى (منظمة) كاريتاس، التي كانت الجهة المنظمة لهذه الأمور، في ذلك الوقت. نظروا في وجهي، وفكروا ربما إنه رجل عجوز. ثم طلبوا مني ما إذا كنت أتقبل فكرة العناية بشاب سوري».
ويقول فون هايدن، وهو ينظر إلى الشاب السوري الكردي نضال رشو، الذي يتولى رعايته: «نحن الآن معاً منذ عامين.» لا توجد أرقام نهائية بشأن عدد المتطوعين من أجل مساعدة اللاجئين في ألمانيا. بيد أنه وفقاً لدراسة جديدة من قبل مؤسسة «بيرتلسمان»، يمكن أن يتراوح العدد بين نصف مليون وحتى مليون شخص. ويقول تقرير «بيرتلسمان» إن المتقاعدين يشاركون بشكل متزايد في مساعدة اللاجئين، منذ بدأ هؤلاء يتدفقون إلى ألمانيا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن عدداً كبيراً من المتقاعدين، ذوي الخلفية الأكاديمية يشاركون في تعليم اللاجئين اللغات مثلاً. هؤلاء المتطوعون يدفعون من جيوبهم الخاصة للمشاركة في مثل هذه المبادرات، ويذهبون مباشرة إلى منازل اللاجئين، مما يساعدهم على الوصول إلى جميع أفراد الأسرة، بما في ذلك الأطفال الصغار. آمال وتحديات اليوم، الشاب نضال، الذي يعيش في كنف فون هايدن ورعايته؛ يعيش حلم كل لاجئ.
فقد وجد الشاب الكردي السوري البالغ من العمر 30 عاماً وظيفة بدوام جزئي، كمستشار مع إدارة مدينة بون. ويدرس الخدمة الاجتماعية لتحسين مؤهلاته والحصول على راتب أفضل. لقد ساعد فيديغ فون هايدن اللاجئ السوري في إيجاد طريقه داخل النظام البيروقراطي الألماني، والعثور على وظيفة بدوام جزئي، وتعلم اللغة الألمانية والانخراط في دورة تعليمية لتحسين مؤهلاته.
أما نضال، فشأنه شأن بني وطنه، الذين يبحثون عن المساعدة لدى فون هايدن. فالمحامي الألماني يرعى حوالي 20 لاجئاً، ويقول: «أساعدهم ولكن بالطبع ليس بنفس الطريقة التي أرعى بها نضال، فأنا أساعدهم في العثور على شقة، أو في الذهاب إلى الطبيب»، مضيفاً أنه لم يواجه أبداً أي صعوبات «باستثناء حقيقة أنني بحاجة لتذكيرهم للحصول على اللقاحات الخاصة بهم». على الأرجح لا تواجه فون هايدن مشاكل مع اللاجئين بسبب عمره.
ويعلق المحامي السابق، على ذلك قائلاً: «كبار السن يحظون دائماً بالاحترام»، كما أنه (يقصد نضال) يعرف طريقه جيداً وسط دهاليز البيروقراطية الألمانية. ويوضح فون هايدن ذلك قائلاً: «أعرف عقلية الموظفين العموميين لدينا هنا. أعتقد أن لديهم مهمة صعبة للقيام بها. فهم يتعاملون كل يوم مع بكاء وصراخ أشخاص، ولا يفهمون كلمة مما يقال لهم...أنا أفهم ما يتعرضون له».
هل يمكن لألمانيا أن «تنجز ذلك»؟ تفاؤل فون هايدن ونجاحه في العمل لدمج اللاجئين داخل المجتمع الألماني لم ينقطع، على الرغم من الهجمات الإرهابية الأخيرة وبالتالي، زيادة موجة العنف ضد منازل اللاجئين. ويقول إن موقفه تجاه اللاجئين من سوريا لم يتغير: «أنا لم ألاحظ أي اختلاف، سواء من ناحيتي أو من ناحية السوريين. ومن الواضح، في تصوري أنهم في بعض الأحيان يشعرون بأنهم غير آمنين بعض الشيء لأنهم يعتقدون أنهم سيوصمون بتهمة الإرهاب جنباً إلى جنب مع هؤلاء الإرهابيين».
قامت دراسة حديثة من قبل اتحاد الكنائس الإنجيلية في ألمانيا (EKD) بتحليل عينة تضم أكثر من 2000 شخص تتناول ردود أفعالهم تجاه تدفق اللاجئين إلى ألمانيا. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و39 كانوا متشككين حول القادمين الجدد. بينما أظهرت الدراسة أن المراهقين والأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 60 و69 عاما كانوا أكثر ثقة، كما أن الألمان في الجزء الشرقي من ألمانيا كانوا أكثر تشككاً من نظرائهم في الجزء الغربي.
وبينت الدراسة أيضاً أن المشاركين فيها، الذين كانوا متشائمين حول تدفق اللاجئين كانوا من فئة كبار السن ومن الفئات الأقل تعليماً مقارنة بأولئك الذين كانوا متفائلين. وكان المتشائمون قلقين إزاء احتمال ازدياد موجة التطرف، ومن ضعف فرص اللاجئين في الاندماج داخل المجتمع الألماني، وانخفاض المستوى المادي للسكان.
وجدير بالذكر، أن فون هايدن يعتقد أيضاً أن الاقتصاد الألماني المزدهر هو أحد الأسباب التي جعلت هناك المزيد من حسن النية تجاه اللاجئين. وبالنسبة له، فقد حققت ألمانيا وعد المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في العام الماضي، عندما قالت: «سوف ننجز ذلك». ويعلق فون هايدن: «لقد حققنا قدراً كبيراً مما وعدنا به»، مضيفاً: «من الواضح أن لدينا مشاكل، ولكن هذا لا يعني أننا لم نحقق شيئاً.
وسينجح الأمر إذا تمسكنا بعدد اللاجئين وإذا تمسك الألمان بانفتاحهم النسبي». وأضاف المحامي الألماني المتقاعد في حديثه لـDW: «لكن الأمور قد تصبح صعبة جداً إذا جاء مليون لاجئ آخر إلى هنا – صعبة جداً، بالنظر إلى موقف المجتمع من قبول اللاجئين- أو إلى ما هو أسوأ، إذا كان لدينا أزمة اقتصادية فالأموال لن تكون متوفرة».