x

جيهان فوزي «نور الشريف».. روح تأبى الرحيل جيهان فوزي الجمعة 12-08-2016 21:22


تكاد تشعر دون أن تعرف سببا لذلك أن هناك روحا غائبة وعلامة مميزة وبصمة مؤثرة غادرت السينما والدراما المصرية، هناك شيء ما ينقصها يطفئ بريقها، إحساس طاغ بالافتقاد واليتم، روح الدعابة والتحدى والإبداع تاهت في زحام أعمال تكاد تكون بلا طعم، وسرعان ما تكتشف أن سر هذا الغياب هو غياب الفنان الراحل نور الشريف الذي تحل ذكراه الأولى دون أن نشعر، فقد كان حاضرا بتاريخه وروحه المحلقة في كل أعماله، بصمته الفنية ما زالت تتهادى في قلوب محبيه، تحرك طاقة الإبداع في استكمال مسيرته والسير على نهجه.

نور الشريف الفنان والإنسان، كان كما القابض على الجمر.. يحركه الإحساس وتدفعه الموهبة أحيانا إلى حافة الهاوية.. أدرك مبكرا أن الفن هو القادر الوحيد والمتميز على محاكاة الواقع.. تداخلت الموهبة مع الإبداع مع الثقافة، لتخلق شخصية متفردة حباها الله عمق الإحساس وتوجها بقراءات متعددة وثقافة متنوعة، كان شغوفا بقراءة التاريخ وثورات الشعوب ومعجبا بـ«حنظلة» ناجى العلى الذي جسد شخصيته في فيلم مقرون باسمه.. ورغم ما تعرض له من هجوم شرس بسبب «ناجى العلى» وما تكبده من معاناة نفسية واجتماعية ظل على يقينه بأهمية هذه الشخصية المناضلة، يدافع بعقيدة محارب مؤمن بعدالة قضيته عن قناعاته السياسية ورؤيته الفنية، يحارب على جبهات متعددة الجهل والتجاهل التخلف والصراع السياسى، لم تحبطه الانتقادات ولم يثنه فشل الفيلم في تحقيق إيرادات من استكمال ما بدأه، كان عنيدا في قراراته شغوفا بحبه للتاريخ متوازنا في آرائه السياسية، لا يغريه المال ولا يحيده عن قناعاته وخياراته التي ارتضاها طريقا ونهجا لمشواره الفنى والإنسانى.
كان يشغله الهم العربى ويتألم من الواقع المزرى الذي آل إليه حال الأمة العربية
كان صديقا ودودا محبا.. كلما التقيته لم يكن يخلو الحديث من مناكفة يطلق بعدها ضحكة صافية مثل قلبه...
الذكريات كثيرة والحديث ممتد.. لكن لحظة الرحيل يؤجلها اللاوعى دوما كأننا مخلدين...
رحل نور الشريف الفنان والإنسان ... لكن نور أعماله خالدة تتربع في شغاف القلب روحا محلقة وحنين لا ينضب، حالفنى الحظ أن يكون مخلدا في أرشيف العمل الصحفى والإنسانى، لم يبق منها سوى الذكرى وزفرات تتعثر في الصدر على وجع البعاد، فمثل نور الفنان والإنسان لا يوجد مقارنة، بل ربما يتغير المفهوم المتعارف عليه لتقييم فنان هو في الأصل إنسان.

انعكست إنسانيته على فنه، تماما مثلما انعكس فنه على إنسانيته ليتماهى كلاهما في الآخر وتنسخ خيوط شخصية درامية من نوع فريد يجمع بين الشدة واللين، الحب والقسوة، الرغبة والزهد، الطيبة والتوحش، لم يفشل يوما في إقناع المشاهد بشخصية أداها، حفل رصيده من الأعمال السينمائية والدرامية التي لايزال لها طابع مميز لدى جمهوره يذكره بها، ساعدته ملامحه البسيطة لإجادة التنوع في الأدوار جسد الفقر والظلم والمعاناة والثراء والانتهازية باقتدار لا يبارى، نور الذي وقف أمام الكاميرات لأول مرة عقب تخرجه من معهد السينما من خلال فيلم «قصر الشوق» لفت انتباه المخرج الراحل حسن الإمام بسرعة شديدة، وصفقت له نادية لطفى وهنأه يوسف شاهين، فكانت علامة فارقة في مشواره الفنى وتاريخه السينمائى.

في السينما كان لديه القدرة على اختراق بؤرة التفكير، وتحويل الوعى إلى فعل وممارسة وتجربة ثرية، جسد دور الكادح المغلوب على أمره في فيلم «سواق الأتوبيس» للمخرج عاطف الطيب عام 1982 فأجاد، وعبر عن شريحة مغبونة في المجتمع لا تجد من ينصفها، وصنف الفيلم ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، ولا ننسى براعته في الإقناع في فيلم «العار»، وجملته الشهيرة التي أصبحت مقولة مأثورة ومتداولة عن المخدرات «إن كان حلال أدينا بنشربه، وإن كان حرام أدينا بنجربه».

تألق في الدراما كما السينما، ومن منا لا يتذكر مسلسل «لن أعيش في جلباب أبى» الذي جسد فيه دور الرجل العصامى الذي بنى نفسه من الصفر «عبدالغفور البرعى»، أو مسلسل «عائلة الحاج متولى» وكيف جعل من تعدد الزوجات حالة فريدة من الرضا والقبول حتى لدى الزوجات أنفسهم، وثلاثية سعد الدالى التي جسد فيها دور رجل الأعمال الذي يخوض معارك شرسة للقضاء عليه والاستيلاء على إمبراطوريته فكانت مسيرته في عالم المال والأعمال رحلة مثيرة من العام الممزوج بالخاص مع تطور الشخصية وتقلب المشاعر من مرحلة لأخرى في تجسيد رائع لشخصية سعد الدالى، استطاع نور أن يغزو عقل المشاهد ويحرك بؤرة الوعى والإبداع للتجاوب والتحرر من الواقع المحبط والتحليق في فضاء خلاق وممارسة الوعى بإدراك أكثر نضجا للواقع.

لايزال الفنان الراحل نور الشريف حاضرا في كل بيت من خلال كل شخصية تقمصها وأدى دورها لأنها تمثل جزءا منا، كل شخصية جسدها كانت تعبر عن شريحة بعينها في المجتمع، كنا نرى أنفسنا من خلاله، فنان مثقف مبدع مرهف الإحساس قلما يجود الزمان والتاريخ بأمثاله، رحم الله الفنان نور الشريف الذي سيخلده تاريخه الحافل بالأعمال الإبداعية التي أضافت لعالم السينما والدراما كثيرا، وستظل بمثابة ثروة فنية سيظل يذكرها التاريخ، والأجيال على تعاقبها.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية