x

جيهان فوزي ذبحوك يا «عبدالله» على مقصلة الدين جيهان فوزي الجمعة 22-07-2016 21:36


مشاهد دموية غير إنسانية لا حصر لها أدمت قلوبنا وسحقت مشاعرنا وأثخنت جراحنا ومزقت أجسادنا منذ ولجت إلى مصطلحاتنا السياسية كلمة «داعش» وأذنابها من جماعات الفكر التكفيرى الإرهابى على اختلاف مشاربها التي حملتها رياح ثورات الربيع العربى، هذا الربيع الذي لم يحمل من اسمه غير الذبول والانكسار، فأضحى خريفا باهتا محملا بالذنوب والكوارث بدلا من الازدهار والتألق، لم نهنأ بربيع الحياة بل داهمنا كابوس ثورات مشؤومة لم تحمل في طياتها سوى العنف ورائحة الدماء المسفوحة وعويل الثكالى ونزوح اللاجئين وشواطئ الموت المجانى في بلاد الغربة والاغتراب ومقاصل منصوبة تستقبل رؤوس أينعت في زمن الفجر والاستعباد وغطرسة القوة والزندقة ترتفع على أسنة الرماح وأنصال السيوف وسط التكبير والتهليل باسم الله ونصرة نبيه محمد- صلى الله عليه وسلم- زورا وبهتانا.
وعلى كثرة المشاهد الدموية التي اعتدناها وأصبحت جزءا من تاريخ مخز لثورات ضلت طريقها، كانت الفاجعة الأكثر إيلاما ودموية وسادية، مشهد ذبح الطفل الفلسطينى اللاجئ في سوريا مكرها فكان مخيم حندرات مأواه ومن ثم مثواه المفجع دون إرادة منه لا في المأوى ولا في الممات، بعد أن ضن عليه الزمان بوطن يحتضنه وقلب يدسه بين نبضاته، «عبدالله سعيد» الطفل الذي لم يتجاوز الثانية عشر من عمره كان الشاهد والشهيد على قسوة وظلم البشر الذين انتزعت من قلوبهم الرحمة وماتت ضمائرهم وتبلدت أحاسيسهم وتبدلت ملامحهم لوحوش كاسرة بلا مشاعر، جزوا عنقه من الوريد إلى الوريد في تلذذ شاذ مقيت أفزع كل من رآه! وكأن ذابحيه يزفون عريسا قبل أن يشيعوه، باكيا مستعطفا متوسلا بأقل الضررين «اقتلونى قنصا» ولكن هيهات..!! «كيف نريحك بلا تعذيب ولا نتلذذ بنحرك ونحن نتذوق دماءك النافرة من جسدك الهزيل الذي مزقناه تعذيبا، ثم نرفع رأسك متباهين دون أن يطرف لنا جفن بأيدينا النجسة مكبرين مهللين فنحن المنتصرين».
ومن سخرية القدر أن تعٌرفْ جماعة إرهابية نفسها بالاعتدال (حركة الأحرار التابعة للواء نور الدين زنكى المعارضة لنظام بشار) هي من تقوم بهذا الفعل الشائن السادى، بل تعتمد على المساعدات الأمريكية الداعمة والمساندة لها في الاستمرار، ومن الهزل أن رد الفعل الأمريكى تعليقا على الحدث المفجع، هو تعليق المساعدات فيما لو أثبت التحقيق تورط تلك الجماعة الإرهابية المارقة بالجريمة!! فأى تحقيقات تنتظر أمريكا وهى التي صنعت الإرهاب وتغذيه عيانا جهارا، وهى أيضا من تتغنى بالسلام والديمقراطية ونبذ العنف لتجميل صورتها القبيحة، وما كان لصناعتها تلك إلا أن ترتد عليها إرهابا وترويعا لمواطنيها واستقرارها وتعاليها، فهل تعتقد الولايات المتحدة أن يدها المطلوقة كالأخطبوط في جيوب المنطقة بأسرها ببعيدة عن الاكتواء بنفس الكأس الذي تذيقه للآخرين؟
المفزع في المشهد الدموى الذي تعيشه المنطقة الآن هو أن تلك الجماعات التي أطُلق العنان ليدها تمارس وحشية لم يعهدها التاريخ من قبل باسم الدين، كى تتمكن وتستشرى وتنتشر كالنار في الهشيم تشيع الفوضى وتكرس للانهيار المجتمعى، فيصبح الذبح طقسا معتادا ووسيلة عقابية معترف بها دون محاسبة أو أدنى اكتراث من عواقب محتملة، فمن نحر عبدالله كان يمارس طقوس النحر بشهوة مقززة وابتسامة مخيفة وتفاخر مقيت. أصبح طقس الذبح كالخراف موروث وحشى لشريعة غاب استشرت وتوغلت بين الجماعات الإرهابية المتطرفة المتخفية خلف ستار الدين، وأصبح الدين وسيلة سهلة غير مكلفة للمزايدة واللعب على أوتار مشاعر البسطاء والجهلاء المغسولة عقولهم وضمائرهم، ونوازعهم الإنسانية الموغلة بالعنف. ماذا فعل الطفل «عبدالله سعيد» كى يؤول مصيره هذا المآل البشع؟ وأين حقوق الإنسان مما لاقاه؟ وأين ضمير الإنسانية المنادية بحقوق الطفل والطفولة؟ وماذا سيكون حال ذويه ومشهد الذبح لن يفارقهم مدى الحياة مصحوبا بالألم والحسرة والتشوه النفسى؟ وكيف يمكن التعايش مع صرخات الوجع المنطلقة من قلب أمه ولهيب دموعها المثخنة بالجراح، منهمرة كشلال الدماء التي تدفقت من عنق ابنها الواهن الضعيف؟ أعدموه والذرائع حاضرة والجريمة التي اقترفها جاهزة ..! «مقاتل في الجيش السورى التابع لنظام بشار» فهل يعقل ذلك؟! هذا الطفل الضعيف عومل كمقاتل راشد عاقل فقد أطلقت يداه ليعبث بأقدار المقاتلين الأحرار المعتدلين الذين يدافعون عن الحرية والأمن والعدالة..!! فأى عبثية تلك التي نعيش فيها مرغمين وعلينا تصديقها وقبولها؟ ألا يخجل العالم من هذا الفعل الرهيب؟! ألا يشعر بالخزى والعار وهو يرى نتائج ما تقترفه سياساته بحق الأطفال والعزل؟ بلا شك أنها أسئلة بلهاء عاجزة في زمن النحر والوحشية.
مازلت أشعر بالعجز والذل والفزع والذهول من هول ما رأيت بعد أن ذبحت طفولتنا جميعا وتعرت عوراتنا على مقصلة الثورات المزعومة، أصبحنا أدوات يحركها العالم وفق مصالحه مثل الماريونيت تتدلى أعناقنا على مقاصل شهوات المقامرين بأوطانهم المتآمرين على مصائر شعوبهم لتنفيذ أجنداتهم ومصالحهم حتى لو تحالفوا مع الشيطان، أبوابهم مشرعة لكل عابر سبيل، لكل عابث بأقدار الآمنين، لكل مزايد باسم الدين، لكل من يثبت حكمهم ويعزز عروشهم وطغيانهم، حتى لو كان الثمن العبور على جثث شعوبهم ومصير أوطانهم ومستقبل أطفالهم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية