x

«المصري اليوم» فى دمشق: مدينة «الأحلام المؤجلة»

الأحد 12-12-2010 19:24 | كتب: نعم الباز |
تصوير : thinkstock

 السوريون يحلمون بـ«استرداد الجولان».. ويطالبون بـ«وحدة عربية» من المحيط إلى الخليج


هنا سوريا.. حناجر أشبه بـ«فوهات» مدافع، وقلوب ترفض الاستسلام وترفع راية الصمود وتحلم بالسلام.. أرواحهم ثورية وأحلامهم مؤجلة وكلماتهم «معسولة» ومعجونة بالكبرياء.


وأنت تسير فى شوارع سوريا، تشعر بأن كل شىء يقول لك «ارفع رأسك يا أخى»، رغم واقعهم الصعب وإحباطاتهم الكثيرة، كل شىء هنا حالم حتى النخاع.. جميل حد الدهشة.


«المصرى اليوم» تجولت فى شوارع دمشق البلد العريق ورصدت واقع وأحلام السوريين، التى تلخصت فى استرداد الجولان والعيش فى سلام وتحسن الأوضاع الاقتصادية وانتهاء البطالة، التى خيمت مؤخراً على البلاد.


كثيرون هنا يعشقون مصر من رؤوسهم حتى أخمص أقدامهم.. تأسرهم تجربة الوحدة المصرية السورية فى زمن عبدالناصر وتؤرقهم نوايا إسرائيل التوسعية.. لتبقى سوريا رغم جراحها بلد الصمود والكفاح والحب.


فى بداية جولتى التقيت تاجراً من حلب يدعى مانع عبدالله، عرفنى قبل أن أعرفه بنفسى، وحين سألته عن الواقع السورى الحالى، أبدى استياءه من انتشار البطالة، ورغم ذلك أعرب عن تفاؤله بالمستقبل، مؤكداً أنه سيكون أفضل كثيراً من الواقع حالياً.


وعن فترة الوحدة المصرية السورية قال مانع: «فى بداية الوحدة كنت طالباً فى مرحلة (البكالوريا)، وكنت كما كان كل السوريين أعشق (عبدالناصر) وأبهرتنى التجربة، لكنها للأسف الشديد سقطت بفعل عوامل كثيرة وأخطاء من الجانبين المصرى والسورى، من بينها تدخلات المشير عبدالحكيم عامر، إلى جعل الوحدة (شوربة)، وأتذكر أنه حين كان (عبدالناصر) يزور سوريا، كانت البلد يخرج عن بكرة أبيه لاستقباله».


وروى بشار حمود، 32 عاماً، سائق من ريف دمشق، أن جده حكى له كثيراً عن فترة الوحدة، وقال إن الشىء الوحيد، الذى يذكره بهذه الفترة حالياً، هو منطقة «جبل الشيخ»، التى أمر جمال عبدالناصر، بمد خط مياه إليها، لأنه كان يحب هذه القرية كثيراً. وعن التجربة قال إنه يتمنى وحدة عربية كاملة، وليست بين مصر وسوريا فقط، وعلق على ذلك بقوله: «الاتحاد الأوروبى ليس أفضل منا.. وعلينا أن نحترم تاريخنا وجذورنا المشتركة».


ويحتفظ نبيل الرز، تاجر من حلب، بصورة تجمع أبيه مع جمال عبدالناصر، توليها الأسرة أهمية خاصة وتضعها فى مكان بارز بالمنزل. وقال نبيل عن الوحدة: «كانت أيام وليتها تعود». وعن «الجولان» قال: «لن تعود إلا بالقوة، فالتفاوض مع إسرائيل (عقيم)ولن يجدى». وحول الوضع الحالى فى سوريا علق بقوله: «داخليا الأمور فى تحسن كبير وخارجياً الوضع ممتاز وكرامتنا محفوظة، ولا يستطيع أحد على رأى المصريين أن يدوس لنا على طرف».


ولا يعرف جودت جمعة، 13 عاماً، شيئاً عن مصر، سوى الأهرامات ونهر النيل. وحول «الجولان» قال: «إسرائيل احتلتها وموجود بها بركان خامد يارب ينفجر فى الإسرائيليين، لأنهم ناس حقودين وبيكرهوا الخير للعرب». وحول أمنيته قال: «نفسى أكون دكتور ويارب الاحتلال يرحل ونعيش فى سلام وليحدث ذلك يجب أن يتحد العرب على هذا العدو حتى يؤكدوا له حجمه الحقيقى وهو أنه ليس شيئاً كبيراً».


وتمنى محمد نور الحموى، 12 عاماً، أن يصبح مهندساً وعن إسرائيل قال: «دولة مخربة وأهدافها كلها نفعية. وحول الجولان أكد أنها قطعة غالية مش أرض سوريا وسيتم استردادها سواء بالقوة أو بالسلام».


ووصف بشر يحيى، موظف فندق من اللاذقية، الوحدة المصرية السورية، بأنها جعلت البلدين روحاً واحدة وجسدت شيئاً من أحلام العرب، التى لم يتحقق منها شىء، حتى الآن على الأقل. واستدرك: «الوحدة كانت بها أخطاء كثيرة، حسبما عرفت من الكثيرين، وقرأت فى للمكتب، ورغم ذلك تبقى حلماً تبخر سريعاً».


وردت مارى عوفان، دمشقية، تعمل فى مجال الفندقة، أنها سمعت الكثير عن فترة الوحدة المصرية السورية، لكنها رغم ذلك ليس لها أى موقف من الوحدة. «مارى» قالت إن لها شقيقة تزوجت مصرياً وتعيش معه فى القاهرة التى قالت عنها إنها رغم زحامها، أجمل مدن العالم، وعن المصريين قالت: «أطيب شعب فى الدنيا، وحول إسرائيل أكدت أنها كيان متوحش اعتاد أن يسلب حقوق غيره بالقوة، مهما كلفه ذلك.


ورغم أن هيبار عثمان، كردى، درس الصحافة فى الجامعة إلا أنه يعمل فى خدمة الغرف بأحد الفنادق لأسباب وصفها بـ«جبرية» تتعلق بظروف البطالة التى تعيشها سوريا حالياً. وحول ذكرياته وما يعرفه عن الوحدة المصرية السورية قال: «درسنا فى مناهجنا التعليمية أن أسباباً استعمارية كانت وراء وقوع الانفصال».


وعن أحلامه العامة والشخصية قال: «أتمنى أن نسترد الجولان ونعيش فى سلام وأن يتحقق فى البلد مزيد من الديمقراطية».


أما الدكتورة فضيلة درويش، زوجة السفير السورى السابق فى مصر، عيسى درويش، فقالت إن الأوضاع فى سوريا حالياً جيدة وإن المستقبل مشرق، رغم بعض الصعوبات الحالية. وعن المصريين وفترة وجودها مع زوجها فى مصر، قالت: «عشت أجمل سنين عمرى فى مصر، ووقعت فى غرام المصريين، فهم شعب طيب وحنون ويفهم فى الأصول جيداً».


وأضافت «فضيلة»، التى تعمل طبيبة كلى: بعد أن تركت سوريا وجئت إلى مصر، كنت على علاقة بمجال تخصصى وكنت أواكب كل جديد فى كتب الكلى، التى ترصد المؤتمرات حول العالم، وفى مصر مارست العمل متطوعة فى قصر العينى فى كلية الطب أثناء عمادة المرحوم الدكتور خيرى السمرة، وكنت مشاركة فى العمل الاجتماعى متطوعة، وحرصت على شراء أجهزة غسيل الكلى.. المهم أننى لم أبتعد عن مهنتى.


وأضافت: مكثت عامين بالقاهرة حتى يتخرج ابنى فى الجامعة الأمريكية، بعد انتهاء زوجى من مهمته والشعب المصرى طيب.


وحول ذكرياتها فى مصر قالت: مجتمعنا كان مجتمع النخبة والمثقفين، وكنا نواظب على حضور المنتديات الثقافية والصالونات والفعاليات الفنية والمسرح القومى والأوبرا، وزيارة المتاحف والقاهرة مكتظة بالتنوع الثقافى، إذ إن القاهرة مدينة غنية بكل ما يملأ العين والعقل والقلب.


وحول مآخذها على القاهرة قالت: الزحمة وتلوث البيئة بالسحابة السوداء، لكن منظر النيل كان يمسح أى أخطاء، وحب الناس جعلنى أنسى أى سلبيات، حتى الآن حينما أذكر مصر تمتلئ عيونى بالدموع.


وحول الوحدة قالت: كنت طفلة ولكن أذكر ونحن أطفال فى المدارس كنا نمشى حاملين المشاعل، منظر ملتصق فى ذاكرتى من احتفاليات الوحدة.


وحول واقع سوريا حالياً، قالت: طالتها أمراض العواصم للزيادة السكانية والبنايات العالية وازدحام المرور، ولكن مازالت دمشق نظيفة وكلنا منشغلون بوجود عدو صهيونى فى الجولان وربما التفاوض معه، وهو عدو مراوغ، غير مجدٍ، لكن تحرير الجولان ليس على أجندة السوريين فقط ولكن على أجندة الوطن كما كانت سيناء تماماً.


صلاح الوادى، سورى، مولود بالكويت، يعمل بالفندقة، حاصل على البكالوريا سألته: سمعت عن الوحدة بين مصر وسوريا فأجاب: سمعت أنها كانت أحلى أيام.. كان جدى يحب جمال عبدالناصر، وحكى لنا عن أيام نتمنى أن تعود.


■ هل تتمنى عودتها؟


ـ من كل قلبى، لكن ما باليد حيلة.. إسرائيل متربصة بنا وارتكبت المعاصى ومن ضمن المعاصى اغتصاب فلسطين، ليس فلسطين فقط، ولكن كل العالم أصبح مستغلاً منهم.


■ كيف نقاوم؟


ـ أقاومها بالإيمان بالوحدة العربية وبالقوة.


■ الجولان تفاوض أم قوة؟


ـ أنا ضد التفاوض معهم، أى تفاوض معهم اليوم يتبخر غداً.. الجولان يجب أن تسترد بالقوة.


■ أحلامك لسوريا؟


ـ أحلامى لكل الوطن العربى أن يتحد مع بعضه ونخلص حدودنا.


بشر يحيى بكالوريوس تجارة، دمشقى، سألته عن رأيه فى إسرائيل فقال: همج.. رعاع.. أذكياء.. يستغلون المواقف.


■ الجولان تفاوض أم حرب؟


ـ طبعاً تفاوض، لكن حينما لا نأخذها بالتفاوض نأخذها بالقوة.. الرئيس حافظ الأسد قال ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.


■ بماذا تحلم لسوريا؟


ـ دولة ربط ومحور بالشرق الأوسط، لأنها دولة مواجهة.


■ هل تحلم بزوال إسرائيل؟


ـ طبعاً دى عاوزه مناقشة!


فهد إبراهيم، بكالوريا، كان يعمل بالتجارة وتنقل فى أكثر من عمل واستقر بالفندقة، وعن الوحدة بين مصر وسوريا قال: «سمعت إنه كانت فيه وحدة بيننا وحدث انفصال».


رقيقة.. مضيافة.. سريعة الحركة غزال يتحرك وكأنه يرقص، اسمها غزل مهنا، دمشقية من رأسها إلى أخمص قدميها، رومانسية تعمل فى السياحة، سألتها:


■ كيف حصلت على عمل فى هذه الغابة من البطالة فأجابت: تدربت ونجحت فحصلت على العمل.


■ ماذا تعرفين عن وحدة مصر وسوريا؟


ـ درسناها فى المدرسة فى ابتدائى.


■ ما رأيك فيها؟


ـ هذا تاريخ.


■ هل تحبى أن يعيد التاريخ نفسه؟


ـ الظروف اختلفت.


■ هل زرتِ مصر من قبل؟


ـ لا، لكننى أعشق المصريين، حتى إننى لا أسمع سوى أم كلثوم وعبدالحليم وقت أن أكون رايقة.


■ ألا تسمعين غيرهما؟


- أحياناً فيروز وزياد رحباني.


■ الوحدة بين مصر وسوريا لماذا فشلت فى رأيك؟


- كان فيه عملاء أجانب أحسوا بقوة منطلقة فى المنطقة فأرادوا إجهاضها.


■ هل توافقين فى الزواج من مصرى؟


- إذا سكنت جنب النيل أتجوز مصرياً!


■ على النيل السكن يبدأ من 5 ملايين جنيه؟


- إذن المصرى اللى بيحبنى يجيب لى بيت على النيل؟


■ مأمون يوسف من «حمأة» يعمل فى التدريس، سألته: سمعت عن الوحدة بين مصر وسوريا؟


- سمعت وبأتمنى تعود الوحدة!


■ ماذا سمعت عنها؟


- كانت تجربة أرعبت إسرائيل.


نادر الشوم، شاب دمشقى، خريج معهد عالى، قال عن الوحدة بين مصر وسوريا: باعرفها منذ 58 حتى الانفصال، ودرسناها فى الابتدائى ثم فى الصف الثالث الثانوى.


■ ما رأيك فى الانفصال؟


- ما كان يجب يحصل.. كنا كلنا قوة ضد العدو الصهيونى!


■ وإسرائيل وما رأيك فيها؟


- لازم نكون كلنا يد واحدة أمام دولة إرهابية!


■ أنت ضد المفاوضات؟


- أنا ضد المفاوضات ومع المقاومة.


■ أنت تقاوم أمريكا؟


- اللى له حق يقويه فى طلبه


■ بماذا تحلم لسوريا؟


- سلام وهدوء.. وقبل أن ينهى كلامه أشار بيده بعلامة النصر وقال: عبدالناصر كده!!


مصر أم الدنيا


ليلى الحداد، مترجمة لبنانية تعمل فى سوريا ومتزوجة سورى، قالت: بلدى بلد زوجى وأولادى.


■ سألتها: سمعتِ عن الوحدة بين مصر وسوريا؟


- سمعت على خفيف، لكن بأتمنى كل العرب يكونوا يد واحدة وليس فقط سوريا ومصر.


■ ما رأيك فى إسرائيل؟


- الطفل المدلل لأمريكا


■ الجولان تفاوض أم حرب؟


- لا تفاوض أو تفاوض على أساس يرجع الحق لأصحابه يعنى فلسطين ترجع.


■ سألت السيدة رغدة محروب، مديرة مكتب الدكتورة نيفين شعبان مستشارة الرئيس بشار الأسد، ما رأيك فى إسرائيل؟


- لا تجيبى لى سيرتها!


■ هرباً؟


- لا.. قرفاً.


■ المفاوضات هل تأتى بالجولان؟


- الجولان ضرورة ومفاوضاتهم مراوغات وليست مفاوضات مجرد كسب وقت وتمييع للموقف.

 

فى منزل نزار قبانى.. لا صوت يعلو فوق صوت الحب


«هنا دمشق.. هنا الحب والخير والجمال.. هنا منزل الشاعر الكبير الراحل نزار قبانى.. كل شىء هنا محفوف بالحب محاصر بالجمال مسكون بالكرم والعزة.. هنا عاش (نزار) وولدت أروع قصائده».


كل ما حولك يؤكد أنك أمام منزل عاش فيه شاعر أسطورى ورجل نبيل وعاشق مرهف وفارس جسور وقلب كبير بامتداد الوطن.. اشترى المنزل وجيه دمشقى، يرفض أن يبيعه ولو بمال الدنيا، ويفتحه أمام الزوار من أجل «نزار».. نبتدى منين الحكاية..


مازال شعره هنا


مازال بيته هنا


سكنته دمشق فلما رحل سكنها بعد أن قال عنها:


فرشت فوق ثراك الطاهر الهُدبَا


فيا دمشقُ، لماذا نبدأُ العتبا؟


يا شام.. إن جراحى لا ضفاف لها


فمسَّحِى عن جبينى الحزن والعتبا


وارجعينى إلى أسوار مدرستى


وأرجعى الحبر.. والطبشور.. والكتبا


يا شام.. أين هما عينا معاوية؟!


وأين من زاحموا بالمنكب الشهبا؟!


دمشق يا كنز أحلامى ومروحتى


أشكو العروبة أم أشكو لك العربا


■ ■ ■


يا سريرى.. ويا شراشف أمى


يا عصافير.. يا شذا.. يا غصون


النوافير فى البيوت كلام


والعناقيد سكر مطحون


يتردد شعره فى أذنى وأنا فى الطريق إلى البيت.. أين بيت نزار قبانى؟.. زيارة دمشق لا تكتمل إلا بالسير والسعى فى حىّ مئذنة الشحم، حيث بيت نزار تحملت ما لا أطيق ، لأن شوارع دمشق تتدرج هبوطاً وصعودا، مما تسبب فى إصابة قدمى وكانت النباتات تطل علىّ كبيوت الشعر فى قصيدة.


الطريق إلى بيت نزار، يخترق حىّ مئذنة الشحم ومثله مثل كل بيوت دمشق بابه لا ينبئ عما بداخله ومعى دليل هو أبو عدنان نظام تاجر الموالح، (والموالح هنا هى المكسرات والفول السودانى واللب)، وهو شقيق عباس نظام، صاحب البيت الجديد، الباب قديم من الخشب الثقيل كأنه باب خزانة ركبت له عين سحرية.. فتحت الباب لنا خادمة إندونيسية وما إن انفرج الباب حتى أطل «نزار».. نباتات غنية وصحن دار للسماء وسطه نافورة محاطة بالتماثيل.


المكان مختلف تماماً عن الحارة العتيقة، المكان يوحى بكتابة الشعر.. وحجرة كبيرة بلا حائط رابع تطل على الفناء والنافورة.. ولكن ما هذه الصور.. هذا سيدنا على جالس وقد أخضع الأسد.. هذان هما الحسن والحسين.. هؤلاء هم الإثنا عشرية.. جعفر الصادق وعلى الهادى وحسن العسكرى وباقى الإثنا عشرية.. هذا هو سيف على ذو الحدين معلق!!


هل هذا صالون نزار قبانى الذى وصفه فى كتاباته؟ وأقبل علينا شيخ طيب أشيب الشعر والشارب وقال: «أهلاً وسهلاً، وخلفه السريلانكيين بصينية الشربات.. قدمه لى مرافق: هذا هو السيد عباس نظام، صاحب البيت.


■ أهلا يا سيد عباس.. متى اشتريت البيت من نزار قبانى؟


- اشتريته عام 1968 بـ65 ألف ليرة سورية.


■ علمت أن الدولة ستحوله إلى متحف؟


- لقد حاولوا معى ولن أبيعه ولا بملايين الليرات، أنا أحب نزار قبانى، وقد ظل يزور البيت حتى توفى، وكان يأتى من لندن وبيروت ومن كل مكان فى العالم مع أولاده، ويزور البيت ويظل معنا يومها طول النهار.


وأخذنى الرجل ليتجول بى فى أنحاء البيت، وأخذ يشرح لى البيت: هنا ما زالت شجرة الياسمين، ثم أشار لأعلى إلى نافذة وقال لى: فى هذه الحجرة ولد نزار قبانى.


■ كم حجرة فى أعلى البيت؟


- تسع حجرات.


■ ما هذه الصور.. كلها صور لأئمة الشيعة وصولاً لـ«حسن نصرالله»؟


- أنا شيعى وحولت هذه الحجرة المطلة على الحديقة إلى مكان لصور الأئمة.. وصور عائلتى.


■ أين صورة نزار قبانى؟


- عندى صورة أخرجها وأضعها هنا حين يكون لدينا زوار.. بعض الناس يأتون وكذلك صباح قبانى شقيقه يأتى لزيارة البيت، وكان «نزار» يحب أمه جداً فأحب فيها كل النساء.


■ من يأتى بانتظام؟


- شقيقه صباح ويحضر «ناس» لينوروا البيت.. ولكن نزار ظل يزور البيت إلى أن توفى.


■ هل كان عنده طقوس للزيارة؟


- كان عنده قطة يضعها فى حجرة ويصورها ويمشى فى البيت كله، ويلف ويقعد فى كل مكان شوية.. وساعات كان يجيب مصورين معاه، كان يحب الزيارة هنا جداً.. كان أحياناً يأتى أكثر من ثلاث مرات فى السنة.. لأن مقبرة ابنه خلف البيت.. وكان شاباً يدرس الطب ومات.. كان يبكى أحياناً لكن حينما يصعد للحجرات ويجلس وحده.


■ لماذا ترفض أن يتحول البيت إلى متحف؟


- لو عرضوا علىّ مال الدنيا لن أبيعه أنا وأولادى، وقد طلبت من شقيقه صباح صورة لنضعها فى البيت.


■ ماذا يعجبك من شعر نزار؟


- أنا لا أقرأ ولا أكتب، لكن أسمع أغانيه.. أسمع ما غناه عبدالحليم «قارئة الفنجان» و«رسالة من تحت الماء»، وأسمع نجاة أيضاً تغنى لنزار، لكن أحب ناس عندنا فى الغناء «أم كلثوم» و«عبدالوهاب».


■ هل أولادك يحفظون شعر نزار؟


- لا.. هم يحبونه فقط ويحبون أن يسمعوا الأغنيات التى كتبها، وأنا وأولادى: 47 صبياً و3 بنات.. أحبهم كلهم.


■ هل يقرأ أولادك لـ«نزار»؟


- آه وعندهم كتبه كلها.


■ حضرت الوحدة بين مصر وسوريا حاج عباس؟


- آه طبعاً.. وسافرنا من الشام ناخد محل فى مصر ووصلنا الإسكندرية، وكان معايا صديق متزوج من محامية بالإسكندرية، وحدث الانفصال ونحن هناك.


■ هل أحزنكم وقوع الانفصال؟


- زعلنا وما زعلنا.. زعلنا على التعب والمعاهدات، ومازعلنا لأن ما باليد حيلة.


■ هل تتمنى عودة الوحدة بين مصر وسوريا؟


- ياريت ترجع ونحب بعضنا أكثر من دلوقت.


■ أولادك هل سافروا إلى مصر؟


- طبعاً راحوا مصر.. وأنا سافرت 4 مرات أيام الوحدة، وكنا سعداء جداً، لكن الدول اللى حوالينا خافت من قوتنا وعملت كل الطرق لفك الوحدة بين مصر وسوريا.


وفى كتاب «كلام عبر الأيام» لـ«صباح قبانى» شقيق نزار كتب يقول:


بيتنا الذى كنا نقطنه حتى بداية الخمسينيات من القرن الماضى، كان فى حىّ مئذنة الشحم بدمشق القديمة والذى نشأنا ودرجنا فيه أنا وإخوتى، ومنهم أخى الشاعر نزار، أقول: إن هذا البيت باعه والدى لأحد وجهاء الحى هو السيد عباس نظام، الذى ظل يحرص منذ شرائه حتى اليوم على أن يقول لكل زواره (هذا بيت الشاعر نزار قبانى)، وكان يفتح بابه لكل من كان يقصده ممن يرغبون فى الكتابة عن البيت، الذى نشأ فيه نزار، بل كان يصر على تقديم القهوة والحلوى لهم، وهذا ما حدث معى ومرافقى فعلاً من كرم أخلاق وحسن ضيافة. أضاف صباح قبانى فى كتابه: أما التصرف النبيل الذى قام به الرجل والذى يعجز المرء عن تصديقه، فهو أنه يوم وفاة نزار وكان قد مر على شرائه للبيت خمسون عاماً فتحه لمدة ثلاثة أيام- كعادة الدمشقيين لتقبل العزاء، وكأنه واحد من أسرتنا وتكلف بالطبع بأجور قراء القرآن وصانعى القهوة وموزعيها طوال تلك الأيام، وأعجب ما فى الأمر أن جموعاً غفيرة من المعزين جاءت إلى بيت السيد عباس نظام لتواسيه فى رحيل نزار، رغم أنه لم يكن له معرفة سابقة به، كما أنه لم يشأ أن يخبرنا بما فعل ولم ندربه، إلا فيما بعد من الناس الآخرين.


وبعد هذا المشوار المرهق فى حوارى وأزقة دمشق فى حى مئذنة الشحم، مروراً بحمام النصر التركى ذو الستمائة عام والبوابات الخمس والمآذن الصغيرة، وبيوت كبيوت الشعر، غسلت عنى كل الإرهاق أخلاق هذا الرجل العظيم، الذى لا يقرأ ولا يكتب، لكنه يتذوق الشعر ويؤمن بشاعر عاش أفراح وآلام أمته وعاشق كل نساء الأرض فى قصائده.


هذه هى رحلة إلى واحد من أهم الدمشقيين، لكن معنا أكثر من رحلة مع دمشقيين مهمين أيضاً، تركوا بصمات بأعمالهم على جدران الوطن العربى، وليس على سوريا فقط، وإلى لقاء معهم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية