x

مراد وهبة نحو رشدية عربية (4) مراد وهبة السبت 23-07-2016 21:52


■ بعد الانتهاء من نيل درجة الدكتوراه فى الفلسفة، فى ديسمبر 1959، استأنفت القراءة فى الفلسفة الإسلامية، فلفت انتباهى أن أستاذ الفلسفة الإسلامية محمد عبدالهادى أبوريدة قد نال درجة الدكتوراه فى عام 1945، وكان موضوع رسالته «تفنيد الغزالى للفلسفة اليونانية فى كتابه تهافت الفلاسفة»، فعكفت على قراءة الكتاب نفسه، وكان قد أصدره الدكتور سليمان دنيا فى عام 1947، وفيه يدلل الغزالى من القرن الحادى عشر على أن فلسفة كل من الفارابى وابن سينا وأمثالهما تنطوى على سخف وهذيان، ومن هنا يلزم تكفيرهما. والغزالى فى كل ذلك يصطنع حواراً بينه وبين هؤلاء الفلاسفة على هيئة «قيل وقلنا». ثم جاءت الخاتمة على النحو الآتى: «فإن قال قائل: فقد فصلتم مذاهب هؤلاء، أفتقطعون القول بكفرهم ووجوب القتل لمن يعتقد اعتقادهم؟ قلت: تكفيرهم لابد منه». واللافت للانتباه أنه قطع فى الحكم بالكفر على الفلاسفة، ولكنه صمت عن القول بوجوب قتلهم. وقد حُكم بالفعل على ابن رشد بالكفر فى نهاية القرن الثانى عشر.

■ والسؤال إذن:

ماذا فعل ابن رشد حتى يُحكم عليه بالكفر مع حرق كتبه ونفيه إلى قرية أليسانة بإسبانيا؟

ألف ثلاثة كتب ضد الغزالى: «تهافت التهافت»، و«فصل المقال وتقرير ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال»، و«الكشف عن مناهج الأدلة فى عقائد الملة». والاتصال بين الثلاثة كامن فى الهجوم على الغزالى. فى الكتاب الأول يقف ابن رشد ضد تكفير الغزالى للفلاسفة، وينتهى إلى القول بأن الغزالى قد أخطأ على الشريعة كما أخطأ على الحكمة التى هى الفلسفة، إذ فى رأى ابن رشد أن كل نبى حكيم.

■ أما الكتابان الثانى والثالث فالفكرة المحورية فيهما هى الدفاع عن التأويل إلى الحد الذى وضع له قانونا، وهو أنه لا يجوز التأويل إلا لجماعة القياس البرهانى الذين هم راسخون فى العلم وهم على صلة بالله. يقول الله تعالى: «وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم». ومعنى ذلك أنه ليس من المشروع أن يقولوا للجمهور إن ذلك التأويل معروف من الله وحده. ثم يضيف بأن الإجماع فى التأويل أمر محال. وإذا كان ذلك كذلك فلا يجوز التكفير على خرق الإجماع فى التأويل.

■ والرأى عندى أن أهم هذه الكتب الثلاثة هو كتاب «تهافت التهافت»، لأنه دفاع عن مشروعية الفلسفة شرعاً فى مواجهة كتاب «تهافت الفلاسفة» للغزالى، الذى كفر الفلاسفة المسلمين، لأنهم تأثروا بفلاسفة اليونان الوثنيين، ومن ثم يكون مغزى هذا الكتاب عزل العالم الإسلامى عن العالم الغربى، ومن هنا يكون لدينا عالمان فى حالة تناقض حاد، بمعنى ضرورة إقصاء أحد العالمين.

■ والمفارقة هنا أن هذا التناقض الحاد الذى أحدثه الغزالى فى القرن الحادى عشر مازال قائماً حتى القرن الحادى والعشرين. ولهذا كان «دى بور»، مؤلف كتاب «تاريخ الفلسفة فى الإسلام»، على صواب عندما تحدث عن الغزالى فى فصل خاص جاء تحت عنوان «نهاية الفلسفة فى المشرق».

■ وإذا كان الغزالى قد أدى دوراً أساسياً فى القضاء على الفلسفة فى المشرق- على حد قول «دى بور»- فهل ابن رشد أدى دوراً أساسياً فى منع القضاء على الفلسفة فى المغرب العربى؟ الجواب كامن فيما حدث لـ«ابن رشد» عندما تكفل بالهجوم على الغزالى لمنع تأثيره على المغرب العربى. لقد كُفر وأُحرقت مؤلفاته.

فماذا حدث بعد ذلك؟

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية