قال الدكتور أحمد المفتى، عضو اللجنة الوطنية السودانية لسد النهضة المستقيل، الخبير الدولى فى القانون، إن إسرائيل تدعم محاولات إثيوبيا لإنشاء بورصة لمياه النيل، والتحكم فى الموارد المائية للنهر، مشيراً إلى وجود مخطط دولى لإنشاء بنك مياه فى حوض النيل، مؤكداً أن المسار الحالى للمفاوضات لا يحقق المصالح المائية لمصر والسودان.
وأضاف المفتى، فى حواره لـ«المصرى اليوم» أن اتفاق المبادئ الذى وقعه قادة مصر والسودان مع الجانب الإثيوبى بالخرطوم يهدد مستقبل الأمن المائى للدولتين، مطالباً البرلمان بالتحفظ على الاتفاق، لتصعيد الموقف دولياً والتأكيد على أن المشروع الإثيوبى يهدد الأمن المائى لمصر والسودان.. وإلى نص الحوار:
■ بداية.. كيف تحلل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى لدول حوض النيل؟
- الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، لدول حوض النيل وإثيوبيا كشفت عن تأييد إسرائيل لإقامة السدود فى أعالى النيل، ودعم الزخم الإثيوبى فى مواجهة مصر والسودان، خاصة أن الزيارة تستهدف ترتيب المصالح الاقتصادية والنفوذ السياسى لأديس أبابا، وتحقيق الحلم الإسرائيلى والدولى بإنشاء بورصة للمياه وبنك للمياه يمهد لبيع المياه للدول المستفيدة من مياه النيل.
■ وما مصلحة إسرائيل فى إنشاء سد النهضة؟
- المصالح الإسرائيلية «لا شك فيها» من بناء سد النهضة، لأنه يحقق المصالح الاقتصادية والسياسية لها على حساب مصالح مصر والسودان، ما ينعكس على «إنهاك» الدولتين اقتصادياً وسياسياً ويضمن لها التأثير على المنطقة، كما أن ذلك من شأنه دعم دول حوض النيل فى السيطرة على المياه الواردة للدولتين والتحكم الكامل فى مياه النيل وتحويل النيل إلى مجرد «حنفية» تتحكم فيها أديس أبابا، وهو ما حدث أيضاً من دعم أمريكى وغربى لتركيا لإنشاء سد «أتاتورك» للتحكم فى مياه نهر الفرات الذى يمد سوريا والعراق بالمياه.
■ ولكن ما دلالة الموقف الإسرائيلى؟
- إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلى دعم مشاريع الرى فى إثيوبيا هو رسالة لدعم الطموح الاقتصادى لأديس أبابا، كما أن موقع إنشاء سد النهضة فى المنطقة الحدودية مع السودان، رغم عدم وجود أراض زراعية بجوار المشروع الإثيوبى، سوف يؤدى إلى «طمع» إثيوبى فى الأراضى السودانية المنبسطة والمجاورة لسد النهضة الذى يبعد حوالى 40 كيلو متراً فقط عن الحدود الإثيوبية، ويصبح المشروع الإثيوبى هو «بذرة» نزاع حدودى، اعتماداً على مبدأ حق المياه.
■ لماذا تسرع أديس أبابا فى تنفيذ سد النهضة؟
- إثيوبيا استغلت الأحداث التى مرت بها مصر بعد ثورة 25 يناير 2011 لتحويل التوجهات المصرية نحو مفاوضات سد النهضة، اعتماداً على أن الإدارة المصرية الجديدة بعد الثورة خلال حكومة عصام شرف، رئيس الوزراء الأسبق لم تكن لديها الخبرات والمعلومات عما انتهت المفاوضات إليه بين دول حوض النيل منذ عام 1995، ومنها اتفاقية «عنتيبى» وأسباب تجميد عضوية مصر فيها، ومن الضرورى أن يتم التعامل مع ملف سد النهضة من خلال التفاهمات التى تمت خلال جولات التفاوض السابقة ومنها اتفاقية «عنتيبى».
■ وكيف حققت أديس أبابا مصالحها بالمسار الحالى للمفاوضات؟
- إثيوبيا استغلت هذه السنوات لاستقطاب مصر إليها، لبدء سيناريو جديد أخذوا السودان معهم إليه، حتى لا يتم الاستفادة من التجارب السابقة وتحول مفاوضات سد النهضة إلى مسار يختلف عن مسار «عنتيبى»، فسد النهضة بنى على «خطأ»، لأنه لم يتم طبقا لتفاهمات مبادرة حوض النيل، واتفاقية «عنتيبى»، ولذلك ستكون جميع نتائج مفاوضات سد النهضة «خطأ» وغير مجدية، وفى حالة نجاحها بنسبة 100% فى إعداد الدراسات الفنية للمشروع، فهى عديمة الجدوى لأنها «غير ملزمة» لأديس أبابا.
■ ما طموحات إثيوبيا فى النيل؟
- أديس أبابا تخطط للسيطرة الكاملة على الموارد المائية للنيل الأزرق الذى يمد مصر والسودان بأغلبية حصتيهما من مياه النيل، وهى إستراتيجية إثيوبية قديمة، للسيطرة على موارد النيل، والموقف الإثيوبى لن يتغير فيما يتعلق بالوضع الحالى للمفاوضات، بينما تعول مصر والسودان على نتائج الدراسات الفنية، وهو ما دفع إثيوبيا للاستمرار فى الوضع الحالى من خلال تحقيق توازن مصالح، وانعكس ذلك على عدم تحقيق أى نتائج خلال جولات التفاوض منذ عام 2011 حتى العام الحالى.
■ كيف ترى مطالب البعض بضرورة تعديل مسار المفاوضات؟
- إثيوبيا لن تقبل تغيير السيناريو الحالى لمفاوضات سد النهضة، لأنه يحقق مصالحها، فضلاً عن تحقيقها كل ما تصبو إليه من خلال هذا المسار، خاصة مع توقيع الدول الثلاث على اتفاق المبادئ بمارس 2015، كما أن أديس أبابا «تعض على الاتفاق بالنواجز» وتتمسك به لأنه يحقق مصالحها فقط، فهو اتفاق «مؤلم» لمستقبل الأمن المائى لمصر والسودان، وتجاهل نصا فى اتفاقية «عنتيبى» وصدق عليه البرلمان الإثيوبى وكان يضمن الأمن المائى لدولتى المصب.
■ وما أسباب إصرار إثيوبيا على الوضع الحالى؟
- لأنه الأفضل لها من اتفاقية «عنتيبى» التى صدق عليها البرلمان الإثيوبى، ولم تنتبه السودان ومصر إلى أن تصديق إثيوبيا عليها يصب فى المصلحة المصرية والسودانية، لأنها نصت «صراحة» على الأمن المائى لدولتى المصب، وهو ما لم يرد فى اتفاق المبادئ الذى وقعه رؤساء الدول الثلاث.
■ وما الحل؟
- لعلاج هذه المشاكل قانونياً يجب أن تتبع مصر والسودان سيناريوهين لـ»حلحلة» الموقف الحالى من المفاوضات، مع الاستمرار فيه، وهو أن تتم مراجعة موقف مصر والسودان من اتفاقية «عنتيبى» التى تضمن الأمن المائى، بالإضافة إلى التفاوض حول مسار الإدارة المشتركة لسد النهضة، لأن المسار الحالى لا يحقق المصالح لمصر والسودان، خاصة فيما يتعلق بقواعد الملء الأول والتشغيل السنوى، وغير ملزم لإثيوبيا.
■ بمعنى؟
- لابد لتحقيق السيناريوهين من التوافق التام بين مصر والسودان على مواصلة التفاوض على النقاط العالقة لاتفاقية «عنتيبى» بما يضمن إطارا قانونيا ومؤسسيا بموافقة كل دول حوض النيل، يحتضن سيناريو مفاوضات سد النهضة بين الدول الثلاث، والسيناريو الثانى للحل يعتمد على مبادرة «مصرية- سودانية» لمناقشة بند واحد فقط وهو الإدارة المشتركة لسد النهضة بحيث لا يتم أى إجراءات للتخزين الأول إلا بموافقة الدول الثلاث، كما حدث فى إدارة خزان «أوين» بأوغندا، وسد منتاليا على نهر السنغال، من خلال إدارة حقيقية وليست «صورية» والإدارة المشتركة لسد النهضة هى البديل العملى للشراكة فى الملكية.
■ كيف ترى عودة مصر لمبادرة حوض النيل؟
- فيما يتعلق بمواصلة التفاوض حول اتفاقية «عنتيبى» يجب الرجوع للاتفاق بين دول حوض النيل خلال الاجتماع الوزارى لوزراء مياه حوض النيل، فى العاصمة الرواندية «كيجالى» 2012، حيث وافق الوزراء بالإجماع على معالجة النقاط الخلافية حول الاتفاقية، حسب المقترحات السودانية فى ذلك الوقت والتى أيدتها مصر، إلا أن مصر والسودان لم تتقدما بمقترحاتهما كتابة إلى دول حوض النيل حتى الآن.
■ وهل ينعكس ذلك على الموقف الإثيوبى؟
- حل هذه الخلافات ليس من مصلحة إثيوبيا، لأنها تريد الإبقاء على المسار الحالى، لأنه يحقق مصالحها كما ذكرت، ومن الضرورى قيام مصر والسودان باتخاذ إجراءات قانونية على المستوى الوطنى وهو التحفظ على إعلان المبادئ الذى وقعه رؤساء الدول خلال اجتماعهم بالخرطوم بمارس 2015، عند التصديق عليه من برلمانى الدولتين، بما يساعد على الضغط على إثيوبيا للموافقة على مقترح الإدارة المشتركة لسد النهضة.
■ كيف ترى دور برلمانى مصر والسودان فى حل إشكالية اتفاق المبادئ؟
- فى حالة قيام برلمانى مصر والسودان بالتحفظ على اتفاق المبادئ، فسيحقق ذلك سلامة المسار القانونى للمفاوضات الحالية، ويمكن الاستفادة منه فى حالة تصعيد الخلافات إلى مجلس الأمن، لأنه لن يبحث اتفاق المبادئ وهو تحت ما يطلق عليه «التحفظ البرلمانى» وعدم التصديق عليه، ما يقلل من شرعية الاتفاق على المستوى الدولى.
■ وفى حالة عدم التحفظ؟
- من الخطورة عدم تحفظ البرلمان على اتفاق المبادئ الذى يحقق لإثيوبيا النجاح فى مشروعية موقفها، فى حالة اللجوء لمجلس الأمن، وعندها يطالب المجلس الدول الثلاث بالالتزام باتفاق المبادئ الذى يحقق مصالح إثيوبيا فقط، بينما «التحفظ» من البرلمان سيحقق مصلحة البلدين «مصر والسودان» ويكون من حق الدولتين اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية الأمن المائى لهما، كما أن الإجراءات الإثيوبية المتعلقة بإنشاء سد النهضة تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين.
■ وما تقييمك لموقف مصر والسودان من مسار المفاوضات؟
- موقف الحكومتين المصرية والسودانية من مسار المفاوضات الحالية لسد النهضة «غامض» ويثير التساؤلات، رغم إدراك الدولتين العواقب الوخيمة للمشروع على مصر والسودان، وربما تكون هناك رؤية سياسية وراء الاستمرار فى المفاوضات لا يدركها المتخصصون، ويجب على السودان، وبدعم مصرى، التمسك باتفاقية 1902 والتى تنص على التزام إثيوبيا بعدم إقامة مشروعات مائية دون موافقة السودان، وهو الأمر الذى تم إغفاله فى سد النهضة.
■ وماذا عن مخالفة إثيوبيا لهذه الاتفاقية؟
- الالتزام الإثيوبى كان مقابل ترسيم إثيوبيا حدوداً تمت إضافتها لأراضيها، ولم تكن ضمن حدودها الأصلية، ومنها موقع مشروع سد النهضة، كما أن الإمبراطور الإثيوبى هو من كتب هذه الاتفاقية باللغة الأمهرية وأرسلها إلى الحكومة البريطانية وأرفق معها خريطة للحدود بين السودان وإثيوبيا، فهى اتفاقية لموازنة سياسية وفى حالة الإخلال بها يجب التراجع عن الحدود الحالية بين السودان وإثيوبيا وإعادة الأراضى التى تمت إضافتها لإثيوبيا إلى السودان.
■ لكن البعض يرى أن المشروع لأغراض توليد الكهرباء؟
- من العبث أن نصدق ما تردده إثيوبيا بأن سد النهضة هو لأغراض توليد الطاقة الكهربائية، لأنه طبقاً للدراسات الاقتصادية لمشروع السد فهو «غير مجد» اقتصاديا، فى ظل التكلفة المرتفعة للإنشاء والتى تتجاوز 6 مليارات دولار، كما أن أديس أبابا تبتغى من تنفيذ المشروع تحقيق الفائدة السياسية وهى التحكم فى مصر والسودان من خلال التحكم فى مياه النيل، وهناك شواهد على ذلك، منها ما حدث فى عشرينيات القرن الماضى من رفض بريطانى لتخزين المياه فى أعالى النيل حتى لا تتحكم إيطاليا فى المستعمرات البريطانية فى مصر والسودان، فضلا عن التصريحات الأخيرة لمؤسسة الرئاسة فى إريتريا بأن مشروع سد النهضة هو مشروع سياسى وليس مشروعاً فنياً أو اقتصادياً.