x

صلاح عيسي انقلاب تركيا.. بين جماعة «أردوغان» وحركة «كولن» صلاح عيسي الجمعة 22-07-2016 21:41


فى أول رسالة تليفزيونية عبر الهاتف، يطلب فيها الرئيس التركى أردوغان.. من الجماهير أن تنزل إلى الشوارع لكى تتصدى لمحاولة الانقلاب العسكرى الذى يستهدف ما سماه «الديمقراطية»، لفت نظرى حرصه على الإعلان عن أن الذى يقف خلفها هو «الكيان الموازى»، وهو ما أثار دهشتى، ليس فقط للسرعة الفائقة التى حدد بها الجهة التى دبرت هذه المحاولة، بينما لم يكن قد صدر عن هذه الجهة سوى بيان قصير يقول إن الجيش التركى قد تحرك دفاعاً عن حقوق الإنسان وعن علمانية الدولة، ولكن - كذلك - لأن المصطلح الذى يستخدمه قد اكتفى بتوصيف هذا الكيان دون تسميته بشكل صريح.

وقبل أن تشرق شمس اليوم التالى للمحاولة الانقلابية، وضع «أردوغان» النقط على الحروف، وعلق فأس المسؤولية عن القيام بمحاولة الانقلاب فى رقبة «فتح الله كولن» مؤسس حركة الخدمة «المقيم بالولايات المتحدة»، وطالب حكومتها - حفاظاً على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين - بتسليمه إلى السلطات التركية. وعلى امتداد الأسبوع الماضى، وعلى الرغم من تضارب التصريحات ونقص المعلومات الرسمية، عن طبيعة المحاولة الانقلابية، وأسماء الذين خططوا لها أو شاركوا فى تنفيذها، وانتماءاتهم السياسية والتنظيمية، فقد توالت تصريحات «أردوغان» وأركان نظامه، وإعلامه بأن «جماعة كولن» تقف وراءها، ومتابعة إجراءات العزل والاعتقال والإغلاق والفصل ضد الذين يشتبه فى انتمائهم إلى هذه الجماعة، لتشمل - طبقاً لآخر التقديرات - عزل أكثر من ثلاثة آلاف قاض ووكيل نيابة، وأكثر من ستة آلاف ضابط بالقوات المسلحة، واحتجاز تسعة آلاف شرطى، وإقالة أكثر من خمسة عشر ألف مدرس، وسحب تراخيص 24 قناة تليفزيونية، ومنع مليون ونصف المليون مواطن من السفر.. وإعلان حالة الطوارئ والبدء فى إعادة هيكلة الجيش والشرطة والقضاء والتعليم والإعلام.

وفى تبرير هذه الإجراءات قال أردوغان - وأركان نظامه - إن «حركة الخدمة» هى حركة سرية تتبع أسلوب «التقية»، ويخفى المنتمون إليها عن الآخرين صلتهم بها، وتسعى للتسلل إلى كل مؤسسات الدولة، بهدف التحكم فى المراكز الحساسة للسلطة، ومنها الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والتعليم، وتعتمد فى بسط نفوذها على الادعاء بأنها حركة اجتماعية وليست سياسية، تسعى للإصلاح الاجتماعى عبر إنشاء المدارس الخاصة والجامعات، والمطابع وإصدار الصحف والمجلات والكتب، وتملك القنوات التليفزيونية والمحطات الإذاعية، وتأسيس الشركات الخاصة والمؤسسات الخيرية.

أما الشىء الوحيد الذى لا يقوله «أردوغان» وأعضاء حزبه والمتعاطفون معه فهو أن «جماعة كولن» هى حركة إسلاموية، شأنها فى ذلك شأن جماعة أردوغان، لذلك فَهِمَ أعضاء «حزب العدالة والتنمية» الذى يتزعمه الرئيس التركى أن الكيان الموازى الذى يقصده بدعوتهم لمناهضة الانقلاب، هو الكيان المنافس لهم على السلطة، فتقاطروا إلى الشوارع، لا لكى يدافعوا عن الديمقراطية - التى لم يهتف أحد ممن احتشدوا فى شوارع استانبول استجابة لدعوة أردوغان لها - بل لكى يدافعوا عما يعتقدون ويعتقد زعيمهم أنه حقهم باعتبارهم الممثل الشرعى والوحيد للإسلام، الذى اختطفوه وأوصلهم إلى السلطة، ويسعون الآن لترتيب الأوضاع لكى لا يصل إليها أحد غيرهم، حتى لو كان «فتح الله كولن» الإسلاموى الذى مكنتهم أفكاره من ذلك.

جوهر أفكار «فتح الله كولن» تتلخص فى أنه كان يسعى منذ بداية معركته إلى التركيز على ما هو «دعوى» وليس على ما هو «سياسى»، والبدء بإصلاح المجتمع وتحقيق نهضة اقتصادية وتعليمية فى المجتمعات الإسلامية، وتأجيل فكرة الاستيلاء على السلطة السياسية، وإقامة دولة الخلافة الراشدة، التى تسيطر على الحركة الإسلامية بمختلف فصائلها إلى حين الاستيلاء على المجتمع، خاصة أن فكرة إقامة الدولة تثير حساسيات ومخاوف وإشكاليات فى العلاقة بين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى داخل المجتمعات الإسلامية، وبينهم وبين الدول والشعوب غير الإسلامية، وكان هذا هو جوهر الفكرة التى استند إليها أردوغان و«حزب العدالة والتنمية» فى تحقيق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التى مكنتهما من الوصول إلى السلطة والاستقرار بها، مقنعين بشعارات الدفاع عن الديمقراطية والعلمانية والاحتكام إلى صندوق الانتخابات.. وإقامة دولة القانون.

وجاء الوقت الذى كان لابد أن يقع فيه الصدام بين الطرفين، حين أغرى نجاح تيارات الإسلام السياسى فى الاستيلاء على ثمار ثورات الربيع العربى أردوغان بأن يضع عمامة الخلافة على رأسه، وأن يسعى لترتيب الأوضاع الدستورية بحيث تتحول تركيا إلى دولة الرجل الواحد، فتتالت الأزمات بين الطرفين منذ عام 2011، وبتصاعدها حجبت حركة «كولن» أصوات أعضائها التى كانت تدعم «أردوغان» وحزبه فى كل الانتخابات السابقة عنه، واتهم «أردوغان» أعضاء فى «حركة كولن» بأنهم كانوا وراء تفجير فضيحة الفساد التى شمل الاتهام فيها وزراء فى حكومته وأفراداً من أسرته، واستصدر قوانين تضم المؤسسات التعليمية الخاصة التى كانت تديرها «حركة الخدمة إلى الحكومة.

ولو صحت ادعاءات «أردوغان» بأن «حركة كولن» تقف وراء محاولة التمرد العسكرى على حكمه - وهو ما ينفيه الأخير - فنحن إذن أمام الفصل الأول من صراع على السلطة بين فصيلين ينتميان للتيار نفسه، قد يكون وراءه الرغبة فى إيقاف محاولة أردوغان لكى يحول تركيا إلى «دولة الرجل الواحد»، بينما يفضل «كولن» أن تكون دولة ثنائية القطبية، أما المؤكد فهو أن موقف كل منهما الحقيقى من الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ودولة القانون وإسرائيل لا يختلف عن الآخر، وأن كلاً منهما يكذب حين يدعى أنه ضد الانقلابات العسكرية، إذ هو فقط ضد الانقلابات التى تقوم ضده، سواء كانت مدنية أو عسكرية، وحين يزعم أن حكم «الأيادى المتوضئة» يجلب الاستقرار والأمن، والشواهد على ذلك لا حصر لها، لا تبدأ بوقائع الفتنة الكبرى ولا تنتهى بما تفعله أيدى داعش المتوضئة بدم المسلمين هذه الأيام.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية