x

مكاوي سعيد أمير الشعراء فى شارع كشكش بك (1) مكاوي سعيد الإثنين 18-07-2016 22:00


شارع عماد الدين لم يكن له وجود قبل الحرب العالمية الأولى، وعشاق الفن والمسرح بالذات كانوا وراء إنشاء الشارع ومسارحه. ومن المعروف أن مصر عرفت المسرح بعد افتتاح دار الأوبرا 1869، التى بدأت فى استضافة الفرق الأجنبية لتقدم عروضها فيها، وقد قامت هذه الفرق بتقديم صورة كاملة عن الفن المسرحى للجمهور والنقاد والممثلين، أى قامت بدور المعلِّم الموجِّه للفن المسرحى، وكان الشيخ سلامة حجازى من المهتمين بهذه الفرق. وكانت هذه الفرق تفد إلى مصر بانتظام منذ ذلك التاريخ، ولم يحدث أن توقفت عن الحضور إلينا حتى الحرب العالمية الأولى، أى تحت ضغط بعض الظروف السياسية ولفترات وجيزة. والرواج الذى حصلت عليه بعض الفرق كان الدافع إلى بناء المسارح فى شارع جديد، سُمى شارع عماد الدين، فالشعب كان كثير الحفاوة بالفرق الأجنبية، باستثناء الفرق الإنجليزية والأمريكية التى وفدت إلى مصر عام 1883 (بعد الاحتلال بعام) ورفضها الشعب فامتنعت عن الحضور حتى عام 1901، ثم بدأت الجاليات الأجنبية فى مصر تطلب هذه الفرق، خاصة من فرنسا وإيطاليا، لأنها تدعم وجودها، خاصة فى مدينة الإسكندرية التى كانت محلاً لإقامة اليونانيين والإيطاليين، فكانت الفرق الإيطالية تلقى نجاحاً كبيراً فى الإسكندرية، بينما كانت الفرق الفرنسية أكثر نجاحاً فى القاهرة، لأن الفرنسية كانت اللغة الثانية لأثرياء مصر ومثقفيها.

وقد عبر المصريون عن عرفانهم للمسرح الفرنسى بمكانة الريادة لكل الفنون بإيفاد البعثات إلى باريس للدراسة والمشاهدة، وللتدليل على ذلك يكفى معرفة أن ما كُتب عن عملاقة المسرح الفرنسى العظيمة «سارة برنار» فى صحيفتى الأهرام والمقطم أكثر مما كتب عنها فى صحف بلادها منذ بزوغ نجمها، وحدث عند زيارتها مصر لعرض أحد أعمالها فى عام 1908 أن انتظر سارة برنار جمع من طلبة المدارس العليا (تعادل الجامعات الآن) الذين أصروا على أن يجروا عربتها حتى دار الأوبرا تقديراً لفنها. وهذا معناه أن الجمهور أصبح فى مجموعه يعرف قيمة المسرح وعظمته، وعظمة من ينتمى إليه.

وبعد دار الأوبرا أصبحت منطقة حديقة الأزبكية امتداداً لها، وبدأت الفرق المصرية أو التى يمتلكها الشوام إقامة المسارح والملاهى على ضفاف بحيرة الأزبكية، والمسارح والملاهى ذات الإمكانات الفقيرة اختارت منطقة روض الفرج مستقراً، ثم اجتمع نفر من رجالات المال فى مصر، واتفقوا على السعى إلى إنشاء منطقة جديدة فى تخطيط البلدية، جنوب حديقة الأزبكية، التى تشرف عليها، وهى فى جملتها تقع بين منطقة البركة القديمة، ومنطقة كلوت بك جنوباً، وأن تكون هذه المنطقة ذات زخارف متعددة الطراز، ليس لها طابع يخالف طابع الجاليات الأجنبية التى ستسكن بها، ورأوا أن تتميز هذه المنطقة بعدد من الكازينوهات ذات الطابع الخاص، وكذلك عدد من الصالات التى تكفل التسلية بعد عناء يوم شاق، وعشرات من القهاوى الجريجية والإيطالية ومسارح تستقبل الفرق الأجنبية التابعة لحكومات كل جالية على حدة، ثم أمام عظم التكلفة اكتفوا بأن يخصص شارع واحد ليكون به جميع الكازينوهات والصالات والقهاوى والمسارح، ويصبح مبتغى للقاصدين- حتى أبناء المناطق الشعبية- الذين يرغبون فى الوقوف على ألوان التطور والمدنية.

وبالفعل جرى ميلاد هذا الشارع الذى سارع الجميع إلى تخطيطه وجعل مبانيه على الطرازين الإيطالى والفرنسى، وتقديم أحدث مظاهر الحياة الجمالية إليه، وأقيم به أكثر من خمسة مسارح، وثلاث صالات كبار، وعشرة مقاهٍ كبيرة، وثلاثة كازينوهات، وأماكن انتظار خلف المسرح لعربات التشريفة، وأناروا الشارع بمصابيح الغاز بإضافة لا توجد فى أى منطقة أخرى بالقاهرة، وجمعوا به عدداً من نوادى الجاليات الرياضية، مثل النادى اليونانى، ونادى الترام البلجيكى، ونادى المكابى الإسرائيلى، وأصرت الشركة البلجيكية التى أنشأت مصر الجديدة على أن يبدأ خط المترو بمصر الجديدة وتكون محطته الأخيرة شارع عماد الدين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية