x

جهاد الخازن جهاد الخازن يكتب: تركيا بحاجة إلى مصالحة لا مواجهة جهاد الخازن الأحد 17-07-2016 22:07


كنت أرجو أن تكون محاولة الانقلاب العسكرى فى تركيا جرس إنذار يحفز الرئيس رجب طيب أردوغان على تعديل سياسته أو تشذيبها للخروج من مواقف متطرفة تناقض العمل الديمقراطى، إلا أنه يبدو أن الرئيس وجد فى المحاولة فرصة «لتطهير القوات المسلحة»، كما قال فى أحد تصريحاته، أمس الأول.

الانقلابيون ضموا خمسة جنرالات على الأقل وحوالى 90 كولونيلاً وعشرات الضباط الآخرين، وبيانهم كان واضحاً؛ فهم اتهموا أردوغان بتخريب علمانية البلاد منذ أتاتورك. وقد فر بعض الانقلابيين إلى الخارج.

أردوغان استغل المحاولة لمهاجمة حليفه السابق وخصمه الحالى فتح الله غولن، المقيم فى ولاية بنسلفانيا، واتهمه وأنصاره بالوقوف وراء محاولة الانقلاب. غولن ردّ مديناً المحاولة بأشد عبارة، وقال إن الطريق إلى الحكم يكون عبر انتخابات وليس بالقوة.

لا شك فى أن حزب العدالة والتنمية يتمتع بشعبية كبيرة فى تركيا، فقد فاز فى كل انتخابات عامة منذ 2002، وقاعدة الحزب، خصوصاً فى الأناضول، ثابتة، وقد خرج أنصار الحزب إلى الشوارع لمواجهة الانقلابيين كما طلب منهم أردوغان. ويبدو أن معارك جوية دارت فوق أنقرة ومواجهات فى الشارع، والنتيجة موت أكثر من 180 شخصاً وإصابة حوالى 1500 بجروح.

أردوغان مسؤول عن محاولة الانقلاب بقدر مسؤولية العسكر الذين حاولوا إطاحته، فهو بدأ ديمقراطياً وانتهى سلطاناً عثمانياً آخر. اعتقل صحفيين وسجنهم وأغلق صحفاً وهدد أخرى، ودخل فى مواجهة مسلحة مع أنصار حزب العمال الكردستانى بعد هدنة استمرت سنوات، فكان أن شهدت البلاد أعمالاً إرهابية من أنقرة إلى إسطنبول إلى سروج وغيرها.

نسجل له انتصاره للفلسطينيين فى غزة، وسفينة السلام «مافى مرمرة» اعترضتها قوات إسرائيلية فى المياه الدولية وقُتِلَ 9 نشطاء على متنها، وانقطعت العلاقات بين تركيا وإسرائيل. هذه العلاقات عادت أخيراً مع استمرار الحصار على قطاع غزة حيث تحكم «حماس»، ولها خلفية فى الإخوان المسلمين من نوع تفكير حزب العدالة والتنمية.

رأيت أردوغان غير مرة- ولا أنسى انسحابه من جلسة حوار ضمّت شمعون بيريز، رئيس وزراء إسرائيل السابق، فى دافوس- إلا أن موقفى إزاءه تغير تدريجياً، حين أتى إلى مصر، و«الإخوان المسلمين» فى الحكم، وعقد مؤتمراً صحفياً قال فيه إنه عقد اتفاقات اقتصادية مع حكومتهم. هذا كذب، فتركيا عقدت اتفاقات مع حكومة أحمد نظيف شملت أسمدة وبتروكيماويات وغزلاً ونسيجاً، وكتبتُ عنها فى هذه الزاوية قبل أن يصل الإخوان إلى الحكم، وقبل أن يزورهم أردوغان فى القاهرة.

العمليات الإرهابية فى تركيا تدين أردوغان مع الإرهابيين، وحكومته دفعت الثمن، وروسيا قاطعت تركيا سياحياً ثم عطلت اتفاقات اقتصادية، وأردوغان هدد دول الاتحاد الأوروبى بفتح الأبواب أمام اللاجئين السوريين وغيرهم للزحف على أوروبا، ثم عقد اتفاقاً مع دول الاتحاد أراه من نوع «خوّة»، ولم ينفذ إلا الأقل من نصوصه.

هو الآن متهم بأنه يغضّ النظر عن نشاط الإرهابيين من الدولة الإسلامية المزعومة فى سوريا، ولا أرى دليلاً قاطعاً يؤكد هذه التهمة، إلا أن الدليل موجود على محاولته المستمرة «قمع» الأكراد فى بلاده مع أنهم يشكلون نسبة عالية من السكان، والحزب الذى يمثلهم، حزب الشعب الديمقراطى، حصل على 59 مقعداً فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ثم أصبح أردوغان يهدد أعضاءه بالاعتقال.

تركيا تحتاج اليوم إلى مصالحة لا إلى مواجهة بين أطياف شعبها، وربما كان أردوغان غير مؤهل للقيام بالمهمة، فهو يتصرف وكأنه الوحيد الذى يعرف الحقيقة. ربما كان أحمد داود أوغلو، وزير خارجيته ثم رئيس وزرائه، أرسى أسس مصالحة وطنية، إلا أن أردوغان عزله خوفاً من المنافسة، وتدهور الوضع إلى إرهاب ومحاولة انقلاب.

نقلاً عن صحيفة «الحياة اللندنية»

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية