عندما وقعت المحاولة الانقلابية فى تركيا مساء الجمعة الماضى، أحسنت مصر الرسمية صنعًا بعدم إصدار أى مواقف أو بيانات تؤيد أو تعارض. وعلى العكس حبس الشعب المصرى أنفاسه، أملا فى نجاح الانقلاب. البعض هنأ البعض بالخلاص من حكم أردوغان، والبعض الآخر راقب الموقف حتى الصباح. الجميع انتظر نبأ نجاح العسكريين رسميًا فى الوثوب للحكم، وبيانهم الأول بإعلان حالة الطوارئ، وتجميد العمل بالدستور، وحل الأحزاب السياسية، ومحاكمة القادة المدنيين الفاسدين.
المؤكد أن الرجل نتيجة لمواقفه من الشعب المصرى الذى خرج بالملايين قبل وأثناء وبعد 30 يونيو 2013، وتدخله فى الشأن المصرى الداخلى، وانحيازه غير المبرر لجماعة الإخوان، لم يترك للمواطن خيارا للتعاطف معه، مما أدى فى النهاية إلى أنه أخطأ التقدير وارتبكت حساباته.
المواطن المصرى خضع لآلة إعلامية مصرية سوداء ما فتئت منذ يونيو 2013 أن تروج بأن النظام التركى الحاكم مهترئ، ولا يستند لإرادة شعبية، وذلك رغم أنه فى كل مرة كانت تنعقد فيها انتخابات فى هذا البلد العريق يفوز فيها حزب العدالة والتنمية بالأغلبية أو الأكثرية، وهو ما حدث بعد أحداث يونيو 2013 فى مصر ثلاث مرات على الأقل، على مستوى الانتخابات البرلمانية أو البلدية.
لذلك أمل الشعب المصرى فى التغيير واعتبر أن من خرج من الأتراك تحرك ابتهاجًا بالانقلاب، مع أن الذى حدث هو العكس، أى أن الشعب خرج معارضًا للانقلاب، ليس نصرة لأردوغان بالضرورة، بل لنصرة الحكم المدنى والديمقراطى. بعبارة أخرى، كان ضمن من خرج لمعارضة الانقلاب الآلاف ممن يعارضون أردوغان، لكنهم لا يرضون لبلدهم أن يحكم من خلال الجيش دون سند شعبى.
اليوم ربما يستغل أردوغان المشاعر المصرية التى صنعها إعلام مصرى زائف لا سيما فى بعض الفضائيات الخاصة، ويروج الرجل إلى أن المواطن المصرى كان يرجو لتركيا حكم الجيش لا حكم الشعب، وهذا الأمر سيزيد من الوقيعة أو الفجوة بين الشعبين المصرى والتركى. صحيح أن الرجل أساء لمصر بالتدخل فى شؤونها، لكن هذا الأمر لا يعنى إطلاقًا تفضيل حركة للجيش لا يرضى عنها الشعب، على عكس ما جرى فى مصر حيث تحرك الجيش برضاء وغطاء شعبى جارف.
الدرس الذى يجب أن نستفيد منه فى تعاملنا مع تركيا هو التعاطف مع حركة الشعب مهما كانت، وبغض أى حركات يقوم بها الجيش من تلقاء نفسه للهيمنة على السلطة دون أى غطاء شعبى، وإبداء السعادة لانتصار الإرادة الشعبية. المصريون يجب أن ينحازوا للديمقراطية كمبدأ، ولا ينجرفوا خلف العواطف، أو خلف إعلام مخادع روج لأمور موجودة فقط فى مخيلة وذهن من صدقوها فأرادوا إسباغها على باقى المواطنين. والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى المصرية يجب أن تروج لذلك، فالديمقراطية والحكم المدنى هو الأساس، والجيش هو خادم الشعب، يخضع للساسة وللسياسيين، وينتفض فقط لنصرتهم واستجابة لمطالبهم كما فعل فى يونيو 2013، لكن لا تبادر الجيوش من تلقاء نفسها، ثم نهلل لها، ونسجل على أنفسنا مواقف تؤخذ علينا مستقبلا.