x

عبد الناصر سلامة بين كمبـالا والمعمـورة عبد الناصر سلامة الأحد 10-07-2016 21:10


فى الوقت الذى كان المصريون يتجولون فيه بدراجاتهم الهوائية فى المعمورة بالإسكندرية، على هامش الاحتفالات بعيد الفطر، كان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يتجول فى القارة الأفريقية برفقة ٨٠ من رجال الأعمال، بخلاف عناصر الموساد، يُستقبل استقبال الفاتحين، مُلوحاً بعلم بلاده فى كل مكان، يلتقى سبعة من القادة الأفارقة فى العاصمة الأوغندية كمبالا، مشاركاً فى قمة دول شرق أفريقيا، زائراً لأربع من دول حوض النيل، وهى على الترتيب: أوغندا، كينيا، رواندا، إثيوبيا، معلناً أيضاً عن قيامه بجولة فى دول غرب أفريقيا خلال شهر سبتمبر المقبل، وسط جهود من كينيا وإثيوبيا تحديداً، بمنح إسرائيل عضوية مراقب بالاتحاد الأفريقى ككل.

فى التوقيت نفسه، كانت إيطاليا تعلن وقف بيع قطع غيار حربية لمصر، بالتزامن أيضاً مع إعلان موسكو عودة السياحة الروسية إلى تركيا، والإبقاء على وقفها إلى مصر، بينما السودان تؤكد ملكيتها حلايب وشلاتين، والمملكة السعودية تحوم حول جزيرتى تيران وصنافير، بينما سد النهضة الإثيوبى على وشك بدء التخزين، قبل الانتهاء تماماً من تشييده فى أكتوبر ٢٠١٧، على أمل أن تنتهى اللجان الفنية من عملها بعد ذلك، حسب نص الاتفاق!

إذا أضفنا إلى الوضع الخارجى تلك الجهود المحمومة، التى تقوم بها بعض الجماعات، لدى المحاكم الدولية، بهدف إدانة مصر فى هذه القضية أو تلك، أو بهدف محاكمة هذا المسؤول أو ذاك، وإذا أضفنا أيضاً تقارير المنظمات الدولية حول حقوق الإنسان، وشرعية النظام، نحن إذن أمام أوضاع، أو أمام مرحلة من تاريخ أمتنا لا تُحسد عليها أبداً، على الرغم من محاولات التقارب مع بعض العواصم الأوروبية تحديداً، من خلال عمليات شراء كبيرة لمنتجاتها الثقيلة الراكدة.

الجديد فى العلاقات الإسرائيلية- الأفريقية، هو الخروج من مرحلة السرّية، التى استمرت منذ ستينيات القرن الماضى، إلى مرحلة العلانية، التى شملت كل شىء تقريباً، بدءاً من العلاقات الاقتصادية والتجارية، وحتى التعاون السياسى والأمنى، والتدريب العسكرى، والتمويل بالمال والسلاح، والأهم هو ذلك الشق المتعلق بالدعم الفنى فى مجال المياه والسدود والزراعة، وهو الذى عبّر عنه نتنياهو أمام البرلمان الإثيوبى قائلاً: «إثيوبيا تسير على الطريق الصحيح، وسوف ندعمها بالتكنولوجيا اللازمة لتنمية مواردها المائية»، وهو ما يوجب على أى حديث مصرى مستقبلاً عن نهر النيل أن يبدأ من تل أبيب، التى تخطط للحصول على حصة من مياه النهر، من خلال ترعة السلام.

ليس أبداً من قبيل المبالغة، إذا ربطنا بين كل هذه الأحداث مجتمعة، منذ وصول قيادات خليجية بعينها إلى سدة الحكم، وبدء تمويلها لبناء سد النهضة الإثيوبى، مع استثمارات واسعة فى إثيوبيا بصفة خاصة، وذلك فى إطار تنفيذ الأجندة الدولية فيما يتعلق بمصر حول عدد من القضايا والأحداث: التخلى عن تيران وصنافير، أطماع إسرائيل فى مياه النيل، ضرب السياحة، إسقاط الطائرتين، الروسية فى سيناء والمصرية فى البحر المتوسط، توقف الاستثمارات الخارجية، تراجع الاستثمارات الداخلية، الإرهاب فى سيناء، انهيار العملة المحلية، العقوبات الأوروبية، تشدد موقف السودان، تمويل الإرهاب فى ليبيا وأثر ذلك على مصر، تمويل كل الجماعات المسلحة فى سوريا وأثر ذلك على مصر، حربٌ عبثية فى اليمن وأثر ذلك على مصر، استضافة جماعات مصرية بالخارج، تمويل تنظيمات بالداخل.

الضعف المصرى الداخلى أيها السادة هو الذى أدى، بطبيعة الحال، إلى ذلك الضعف الخارجى، حتى فيما يتعلق بذلك الإقليم الأفريقى الذى ننتمى إليه، وهو ما جعل منه مسرحاً مفتوحاً أمام إسرائيل، التى لا تنتمى إلى القارة أساساً، إلا أنه اللعب مع مصر على ملعبها ووسط جمهورها، الذى أنفقت عليه فى سالف الزمان الكثير من الجهد والمال، فى سبيل التحرر والرقى، وها هو العدو التاريخى هو الذى يحصد، وهو الذى يقرر، وهو الذى سوف يملى شروطه، ليس مستقبلاً، ولكن بدءاً من الآن.

من الواضح أن ذلك بات أمراً مؤكداً، خاصة إذا علمنا أن إسرائيل توصلت إلى اتفاق مع إريتريا بإقامة قاعدة عسكرية فى ميناء «مصوع» على البحر الأحمر، مقابل حصول إريتريا على صفقة أسلحة تقدر قيمتها بمليار دولار، فى محاولة لفرض الهيمنة على مضيق باب المندب من جهة، والتحكم فى الموقف الإريترى المساند لمصر فى أزمة سد النهضة من جهة أخرى.

وفق تصريحات نتنياهو: «زيارتى إلى أفريقيا تاريخية، هى دخول جديد لإسرائيل بالقارة السمراء، هناك توجد ٥٤ دولة فى نيتنا العودة إليها جميعاً، سيكون لهذا نتائج مهمة جداً فيما يتعلق بتحالفاتنا وعلاقاتنا الدولية، التى تتزايد وتتوسع لقوى عظمى، فى آسيا وروسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا»، وعلى هامش الزيارة أعلنت تنزانيا تبادل السفراء مع تل أبيب، بينما أعلنت إثيوبيا إنشاء سدّين جديدين، فى الوقت الذى تحتمى فيه بقوى دولية، فى مقدمتها الولايات المتحدة، وقوى إقليمية فى مقدمتها إسرائيل، وتنزع إلى الصراع والمواجهة، ولا تبالى أبداً بعلاقات، أو لا علاقات مع مصر.

وسط كل ذلك، يطرح السؤال نفسه: هل كان الوجود المصرى بأفريقيا رهناً بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أو حتى بعد ذلك بالوزير الراحل بطرس غالى، وهل كان استمرار جريان النيل رهناً بالرئيس الأسبق حسنى مبارك، أو حتى بالوزير الراحل عمر سليمان، لم يكن عبدالناصر يسمح أبداً لإسرائيل بالعبث فى أفريقيا، ولم يكن مبارك يسمح أبداً لإثيوبيا بالعبث فى مياه النيل، فى الوقت نفسه لم يكن الشعب المصرى مهدداً فى يومه وغده، فى مأكله ومشربه، مثلما هو الحال اليوم.

قد يكون الاهتمام بالساحل الشمالى مهماً، وقد يكون الاهتمام بالمصايف عموماً كذلك، وقد يكون التريض والتنزه فى المعمورة أو غيرها مفيداً، للصحة العامة والنفسية فى آن واحد، إلا أن الموقف يستحق الانتباه، يستحق الاهتمام، بل يستحق رفع الراية السوداء عن طيب خاطر، قبل أن نرفعها جبراً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية