x

عبد الناصر سلامة مكافأة الديوان العام عبد الناصر سلامة الجمعة 08-07-2016 21:56


أعتقد أننا أمام تمييز وظيفى من أوسع الأبواب، أمام خضوع للابتزاز من الدرجة الأولى، أمام قرارات باطلة بحكم أى محكمة، إدارية، أو مدنية، أو جنائية، أمام مسؤولين ضعاف، أمام رقابة معدومة، أتحدث عن القرارات الوزارية بصرف مكافآت فى مناسبات مختلفة للعاملين بدواوين الوزارات فقط، كأن العاملين بمديريات الأقاليم، أو حتى بالقاهرة خارج نطاق الديوان أولاد البطة السوداء، آخرها كان قرار وزير التربية والتعليم صرف مكافأة شهر للعاملين بديوان عام الوزارة بمناسبة عيد الفطر المبارك.

بالتأكيد هذا القرار صدر نتيجة ذلك التميُّز الواضح فى أداء الوزارة، سواء من حيث تسريب امتحانات الثانوية العامة، أو تسريب إجاباتها النموذجية، أو ربما لتسريب نتائج التصحيح أولاً بأول، كما وعد ذلك الموقع الإلكترونى، بالتأكيد هذا الوزير أو ذاك لديهم مبرراتهم، موظفو الدواوين «على راسهم ريشة»، يستطيعون التجمهر والاحتجاج، أما موظفو الأقاليم فهم ناس غلابة، يستيقظون قبل الفجر حتى يستطيعوا الوصول إلى مقر العمل، ليست هناك باصات الوزارة، ولا مترو الأنفاق، ولا حتى وسيلة مواصلات آدمية، ولا حتى منظومة علاجية محترمة، ولا أى شىء تقريباً.

كل الوزراء يختتمون قرارات المكافآت بجملة واحدة متعارف عليها، وهى «أسوة بالعام الماضى»، على اعتبار أنه لم يخترع جديداً، هى جملة الحماية القانونية من وجهة نظرهم، على الرغم من أنها ليست كذلك أبداً، الإدانة من «الساس للراس» يا أصحاب المعالى، أين الجهاز المركزى للمحاسبات من تلك الممارسات، أين الجهات الرقابية عموماً، أين ضمائركم؟

كنت أود أن أطرح سؤالاً عن سر استكانة موظفى الأقاليم بعدم اللجوء إلى القضاء لإنصافهم، إلا أننى تداركت فوراً أن التنكيل والعقاب والجزاءات سوف تكون فى انتظارهم، لأنها تصدر عن القاهرة، عن أصحاب المكافآت، بالتأكيد هم لن يلجأوا أيضاً إلى سلطة إدارية أعلى، فهى صاحبة القرار، قرار المكافآت الحرام، أو مكافآت الظلم، أعتقد أن هذا البند فى هدر المال العام لم يتضمنه تقرير المستشار هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزى للمحاسبات، أى أن رقم الهدر قابل للزيادة.

بالتأكيد نحن هنا لا نعترض أبداً على حصول كل موظفى الدولة على مكافآت، خصوصاً فى مناسبات الأعياد وما شابهها، كان الله فى عون الجميع، الرواتب الشهرية لم تعد تكفى أسبوعاً واحداً لأى أسرة بعد الارتفاع الجنونى للأسعار، بعد الانهيار الكبير فى قيمة العملة المحلية، بعد التردى الاقتصادى الواضح، إلا أننا نطالب بالمساواة، على الأقل بين أبناء الوظيفة الواحدة، بين أبناء المهنة الواحدة، مَن الذى قال إن موظف ديوان عام وزارة التموين مثلاً أكفأ، أو يبذل جهداً أكبر من نظيره موظف مديرية التموين بالدقهلية، أو إن وكيل وزارة الكهرباء بديوان عام الوزارة بالقاهرة أكفأ من نظيره فى أسيوط.

نحن أمام تهريج واضح، كان يجب الانتباه إليه، أما أن يستند هذا الوزير أو ذاك للسوابق، أو للوزراء السابقين، فقد كان الأَوْلَى به أن يُصحح الأوضاع، كان الأَوْلَى به أن يُرسى قواعد عمل عادلة، كان الأَوْلَى به أن يبدأ صفحة جديدة مع موظفيه فى كل المحافظات، ذلك لأن دولاب العمل فى أى محافظة لا يُدار من العاصمة أبداً، بل هو خطأ كبير أن يكون هناك سلطان للقاهرة على هذا العمل أو ذاك، غالباً كانت القاهرة هى المعوق للعمل فى المحافظات وغيرها، الدليل على ذلك أن تسريب امتحانات الثانوية على سبيل المثال لا يتم من المحافظات، إنما يتم من القاهرة، لذا كان التكريم للقاهرة!!

هى دعوة إلى الحكومة بصفة عامة لتدارك الموقف، دعوة لتحقيق العدل والإنصاف، وذلك بصرف مكافآت موظفى الأقاليم بعد أن انتهت إجازة العيد، أسوة بأقرانهم فى القاهرة، أدعو رئيس الجمهورية أن يتدخل، هو رئيس لكل المصريين، ليس رئيساً لسكان القاهرة فقط، أدعو كل وزير أن يراجع ضميره قبل تدخل السلطات الأعلى، أدعو الجهات الرقابية إلى كتابة تقاريرها فى هذا الشأن، لا يجب أبداً أن يكون اللجوء إلى القضاء هو الوسيلة الوحيدة للحصول على الحقوق، مادامت واضحة وضوح الشمس، لا يجب أبداً أن يعانى الناس حتى يحصلوا على حقوقهم.

ما لا يدركه البعض هو أن هذه الأوضاع تفتح الكثير من الأبواب الخلفية للتسيب، والرشوة، وعدم إتقان العمل، وتراجع الانتماء للوطن، والحساسية والضغينة بين أبناء الوظيفة الواحدة، ناهيك عن تكالب الجميع على النقل إلى القاهرة «عاصمة المميزات»، رغم ما بها من أزمات، وهو ما جعل مكاتبها الرسمية مصابة بالتخمة الوظيفية طوال الوقت، على كل المستويات العليا والدنيا، تفاقمت معه أزمات المبانى الحكومية ومرافقها، إلى الحد الذى جعلها غير صالحة فى معظم الأحوال لاستقبال آدميين.

على أى حال، بدا أن وزراءنا الأفاضل قد غاب عنهم كل شىء تقريباً، ليس فيما يرتبط بمهمتهم الأساسية التى تتعلق بوزاراتهم، وطبيعة عملهم، وإنجازاتهم التى لم نعد نعول عليها، وإنما أيضاً فيما يتعلق بموظفيهم، والمساواة بينهم، والتى يجب أن تمثل أبسط قواعد الإدارة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية