x

مي عزام أردوغان.. وسياسة صفر مشاكل مي عزام السبت 09-07-2016 21:02


يظن بعض المصريين أن المؤامرات خلقت من أجل هدم بلدهم وخلخلة استقرارها، وهو ظن ساذج ساهمت الأنظمة السياسية في ترويجه بأساليبها المتعددة لتخفى إخفاقها في إيجاد حلول لمشاكل مصر المزمنة، وفى مقدمتها تعثرها الاقتصادى ومديونياتها المتراكمة وعدم إحداث تطور يذكر في الخدمات المقدمة للشعب وتحديث الدولة.

الواقع يقر بأن التآمر نزعة إنسانية ولدت مع قابيل، ورثها لأبنائه وأحفاده، البراءة قتلت منذ بداية الخلق بموت هابيل، لتترك للتآمر الفرصة لإعمار الأرض، الرضا والتواضع والاكتفاء صفات لا تبنى حضارة، ولا تدفع الإنسان للابتكار والإبداع، ويقول- تعالى- في كتابه الكريم: «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ».

الحروب والصراعات والمؤمرات هي وقود الحضارة الإنسانية، الصراع بين الخير والشر هو قدر الإنسان، نقطة ضعفه وقوته في آن واحد.

هذه المقدمة الطويلة أردت منها أن أوضح أن المدينة الفاضلة محض خيال، ولو تحققت لنضب معين الطموح الإنسانى الجامح، والتآمر محفز، وليس هادما كما نتصور.

قراءة التاريخ تجعلنا أكثر خبرة بالواقع، قوانين الحياة لا تختلف في قواعدها لكن الأساليب والأشكال هي التي تتطور وتتبدل طبقا لأدوات العصر، القواعد التاريخية الثابتة تؤكد أن الدولة التي تنجح في اللحاق بقطار المستقبل هي التي تملك المرونة والقدرة على سرعة التصرف إزاء ما تتلقاه من ضربات موجعة وما يحاك لها من مؤامرات، والتى تجد الوسائل المناسبة لتفادى ذلك وتطوير ادائها لتحقيق مايصون استقلالها ويوسع دائرة نفوذها بأدوات عصرها أم التي تعجز عن التطور فتبقى سجينة اضابير الماضى تبكى أمجادها الغابرة.

ورغم أننى لست من المعجبات بأردوغان ولم أقع يوما في فخ الصورة التي تم الترويج لها بأنه زعيم الإسلام الوسطى، الرئيس المسلم العلمانى الليبرالى صاحب القيم والمبادئ، لكنه حاز على تقديرى في الشهور الأخيرة، فهو رئيس براجماتى انتصر لمصلحة بلده على حساب مجده الشخصى، واستطاع أن يتجاوب وبسرعة ودون تباطؤ مع التقلبات التي حدثت على الساحة الإقليمية والتى أدت توابعها لتعرض بلاده لمؤامرة من أهل الشر كما يحلو لنا أن نسميها في مصر، وحاول تجنيب بلاده مزيدا من الخسائر جراء سياساته الخارجية غير الحكيمة.

وبعودة سريعة للوراء، نجد أن عام 2015 شهد ارتفاع نجم أردوغان بشكل غير مسبوق، حتى تصور الرجل أنه أصبح قادرا على خلع القناع الذي ارتداه لسنوات ليعبر للعالم عن وجهه الحقيقى الذي أخفاه طويلا: فظهر كرئيس مستبد يقمع حرية التعبير، انتهازى في مفاوضاته مع الاتحاد الأوروبى حول مشكلة المهاجرين السوريين، أحمق في تعامله مع روسيا (إسقاط الطائرة الروسية)، ساذج في تصوراته عن الدعم الأمريكى له، غبي وعنيف في تعامله مع الملف الكردى، متعالٍ ومتغطرس في هجومه على النظام المصرى بعد ثورة 30 يونيو.

نتيجة سلسلة أخطاء أردوغان ولعبه بالنار، كما يقال، مع قوى كثيرة وكبيرة، اجتمعت هذه القوى أو بعضها على ضرورة تأديبه ووضعه في مكانه المناسب لحجمه، ووجد السلطان العثمانى نفسه عاريا دون درع تحميه، وبدأ يتلقى الضربات الموجعة الواحدة تلو الأخرى، زيادة المظاهرات المطالبة بحرية الرأى والصحافة الفاضحة لاستبداده، تعرض تركيا لحزمة عقوبات روسية أهمها وقف السياحة لتركيا بأمر مباشر من بوتين، موافقة الاتحاد الأوروبى على شروط أردوغان لدرء خطر تدفق المهاجرين لأراضيها تبعه تعرض تركيا لضربات موجعة من جانب الأكراد وفى عمق الأراضى التركية، تعرضت تركيا لعدد من الحوادث الإرهابية التي أدت لتراجع معدلات السياحة بنسب وصلت إلى أكثر من 40 % وبات الاقتصاد التركى مهددا بانتكاسة حقيقية سببها الأساسى سياسة السلطان الجديد الذي أعماه الغرور والصلف.

فماذا فعل أردوغان؟ هل تمادى في عناده وغروره، أم قرر وبسرعة أن عليه أن يقوم بحركة «يوتيرن» ليستطيع مواصلة طريق السلامة؟

أدرك أردوغان أن عليه أن يتصرف بسرعة ويبدأ في حل المشاكل المعلقة مع الخارج حتى ينتبه لمشاكله الداخلية التي يمكن أن تعصف بنفوذه الشعبى وطموحه السياسى وتعرض بلاده لمخاطر جسيمة وتمزق، وبالفعل بدأ سياسة صفر مشكلات، مفاوضات مع إسرائيل لاستعادة الود المفقود بعد حادث السفينة مرمرة التركية التي تعرضت لهجوم من قوات الكوماندز الإسرائيلى أسفر عن سقوط قتلى أتراك، وتم ذلك باعتذار إسرائيل العلنى عن الهجوم وتعويض أسر الضحايا والسماح بدخول المعونات التركية لقطاع غزة، ثم أرسل أردوغان برسالة اعتذار لبوتين قبلها الأخير، وبعد تعرض تركيا للحادث الإرهابى في مطار إسطنبول أسرع بوتين بإعطاء الأوامر بعودة السياحة الروسية لتركيا لدعمها، وبالفعل تم اليوم (السبت) هبوط أول طائرة روسية تنقل سياحا روسا إلى أنطاليا التركية.

سياسة أردوغان تجاه سوريا ستشهد تغيرا جذريا نتيجة للتقارب التركى الروسى، ولقد أعرب اليوم (السبت) مصدر في وزارة الخارجية التركية لصحيفة «الشرق الاوسط» السعودية أن أنقرة قد تقبل ببقاء الرئيس السوري بشار لمرحلة انتقالية قصيرة، فلقد أدركت تركيا أن مصالحها تضررت كثيرا خلال السنوات الخمس الماضية بسبب التشدد في التعامل مع قضية وجود الأسد، كما تسعى وزارة الخارجية التركية الآن لتحسين العلاقات مع مصر.

هل يمكن لمصر أن تستفيد من تجربة أردوغان، وتبدأ في تطبيق سياسة «صفر مشاكل»، أم أننا نحب أن نعيش دور الضحية للمؤامرة الكونية على مصر؟

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية