x

مزاج «إسكندرانى».. «السعادة» فى الزمن «الصعب»

الجمعة 03-12-2010 08:00 | كتب: محمد المالحي |
تصوير : other

لا يزال «السكندرى» محباً للحياة.. قادراً على اقتناص لحظات «السعادة» منها، مؤمناً بأن السعادة فى الزمن «البخيل» مثل «الحقوق» تنتزع لا «تكتسب»، السكندرى حالة خاصة شديدة التميز والتفرد «مغامر».. «مقامر» لا يخشى «المجهول»، فمن يصاحب «البحر» ويركب «أمواجه» ويواجه «الموت» معانقاً «المجهول» متعايشاً ومؤمنا بأن كل ما عداهم، شكل من أشكال «الحياة» وأحد أوجهها المتعددة القبيحة والجميلة، القاسية والحانية، المفهومة والغامضة، الواضحة والضبابية. ما الذى يجعل «السعادة» تكتمل فى حياتنا؟ البشر أم الأماكن أم الأشياء، أم «شفرة» خاصة و«كود» تمنحه الحياة لمن تريد من البشر، قليل منهم أو بعضهم، «مزاج السعادة» وحالة «البهجة» اللذان يعيشهما «السكندريون» والتصقت بهم لا يزالان مجهولى المصدر للكثيرين. «المزاج السكندرى» كلمة السر فى سبب «تفرد» شخصية أبناء «الثغر».. المنطلقة، المرحة، المحبة للآخر، التى لا تخشى المجهول، الرايقة، المحبة للفنون.. سليطة اللسان أحياناً.

 

«أحلى الأوقات».. أكلة سمك طازة يوم الجمعة.. وانتصارات «الأخضر» على منافسيه

 

من ضمن أبرز «مفاتيح» السعادة، وحالة «المزاج» المتفرد فى حياة «السكندريين»، فوز نادى «الاتحاد» فى مبارياته، وهى السعادة التى تملأ شوارع «الثغر» حبا وهوسا من قبل مشجعى وعشاق النادى الأخضر «العريق».

«الاتحاد» أحد مفاتيح السعادة فى حياة السكندريين، حيث يقف وراء النادى وفريقه جمهور شديد «الإخلاص» حبا لناديه، جمهور يكفى إخلاصه ودعمه لناديه لفوز فريقه بـ«المونديال» وليس الدورى.

مسجد القائد إبراهيم ودار المناسبات الملحقة به، والتى يتم بها دائما استقبال «التعازى»، أصبحت هى الأخرى من مفاتيح سعادة الانتقال لـ«الآخرة» لأموات «الثغر» من أبناء المشاهير وعائلات رجال الأعمال والمشهورين، ودائما يكون السؤال «التقليدى» عقب وفاة أى من مشاهير «الثغر» هو.. «الخارجة» منين إن شاء الله؟ ومقصود بها طبعا مكان أو مسجد خروج الجثمان لـ«المقابر»، و«خارجة» القائد إبراهيم هى مفتاح «سعادة» الآخرة لدى كثير من «السكندرين» حاليا، بعد أن أصبح «الموت» أيضا «درجات».

أكلة سمك «طازة» يوم جمعة تجمع جميع أفراد الأسرة من أهم «طقوس» السعادة شديدة «البساطة» التى تمنح الكثير من أبناء «الثغر» حالة من الرضا، فيوم الجمعة هو يوم العطلة لغالبية الناس، وعادة يجتمع فيه غالبية الأبناء فى «بيت العيلة» بصحبة الزوجات والأبناء، وهى اللحظات التى يعيش فيها «الجد والجدة» لحظات السعادة مع «الأحفاد» وصدق مقولة «أعز الولد ولد الولد» مع لـمة الأسرة حول أكلة «سمك طازة».

 

«الصلاة» فى رحاب «أولياء الله».. وبركة كنائس «القديسين».. «دعوات» و«شموع»

 

لا يتعارض حب الحياة والإقبال عليها والاستمتاع بها، مع فكرة ومبدأ «التدين»، والتعلق بـ«أهداب» السماء والـ«تبرك» برحاب أولياء الله الصالحين، وكنائس القديسين، لدى «السكندريين»، التدين إحدى مفردات الشخصية السكندرية، وإحدى سماتها سواء كان إسلامياً أو مسيحياً.

فى مسجد «سيدى أبى العباس المرسى»، وغالبية مساجد أولياء الله الصالحين بالثغر، يبدو المشهد مختلفاً ويظهر جلياً تعلق «السكندريين» بـ«الأولياء» ومحبتهم الساكنة فى قلوبهم، تعلق المحب بمعشوقه، والباحث عن شعاع «نور» فى بحر من «الظلمات»، وهو نفس المشهد الذى يتكرر فى الكنيسة «المرقصية» بمحطة الرمل، أقدم كنائس العالم العربى وأفريقيا، وكذلك غالبية كنائس المحافظة. فى البداية قال الدكتور مصطفى عبدالرحمن (29 سنة)، طبيب بشرى، إن أحد مفاتيح «سعادته» هو الصلاة فى مساجد أولياء الله الصالحين، وأهل بيت الرسول (ص) قائلا: «لا يتعارض حبى وانطلاقى للحياة والإقبال عليها، مع فروض دينى ومنها الصلاة، وعشت فى فرنسا مع أسرتى حتى سن 15 سنة، وأعتقد أن تركيبتى السكندرية هى ما جعلت عشقى للحياة لا يتعارض مع تدينى وحبى الشديد لأولياء الله الصالحين وتحديدا مسجد أبى العباس المرسى وسيدى محمد الشاطبى».

وقال جوزيف فلتاؤوس (56 سنة) صاحب معرض موبيليا، إن السعادة الحقيقية لديه هى لحظة دخوله «الكنيسة» وأدائه للصلاة وقيامه بإشعال «شمعة» أمام «أيقونة العذراء» والسيد «المسيح» عليه السلام، وأوضح: «صدقنى السعادة الحقيقية باشعر بيها وانا بين إيد الله بأصلى فى الكنيسة، خاصة كنائس القديسين، أو حضورى عظة البابا شنودة بكنيسة المرقصية بمحطة الرمل، وكل ما أكون متضايق وشايل هم الدنيا أذهب للكنيسة، لأن ربنا موجود وبيحس بالبنى آدم وهمومه».

 

«الصيد»: يمنح السعادة ويعلّم الصبر ويواجه «مطبات» الحياة

 

هواية صيد الأسماك تعلمنى الصبر، وهو مفتاح السعادة، وفى رأيى «الصبر» أقوى «حيلة» يواجه بها «الغلابة» الأيام والزمن و«مطبات» الحياة.. هكذا بدأ فتحى عباس (54 سنة)، أحد أشهر هواة الصيد بكورنيش الثغر، حديثه قائلا: «الصيد بيعلم الإنسان الصبر، وبيهون على الواحد الكتير من مصاعب الحياة، والصبر سعره غالى قوى، بالإضافة للإحساس بالسعادة التى يمنحها منظر البحر وأفقه الممتد إلى مالا نهاية أمام الإنسان، وفى كثير من الأوقات لا أشعر بمضى الوقت بسبب استغراقى فى الصيد، وإحساسى بالسعادة وأنا مع نفسى فى ملكوت الله».

وأضاف: «الصيد غواية، زى غواية النداهة عند الفلاحين، أنا تركت الشركة، وخرجت (معاش مبكر) من يوم ما حبيت وغويت الصيد، علشان أكون حر نفسى، ولا أحد يتحكم فىّ، الإحساس بالسعادة إحساس لا يقدر بكنوز الدنيا، والصيد أحد أهم الأشياء التى تجعلنى سعيداً ومرتاحاً نفسيا، وكذلك غالبية هواة الصيد بالكورنيش معظمنا عارفين بعض، تخيل لما تكون سعادتك كلها فى صيد السمك.. سيبك مفيش أحلى من راحة البال، ومنظر البحر والسماء».

وقال محمد إبراهيم (45 سنة)، عامل بإحدى الشركات: «أقوم بالصيد مرتين على الأقل أسبوعياً، وأشعر بالراحة النفسية من لون المياه الأزرق، والجلوس أمام البحر لفترات طويلة، وحينما أكون متضايقاً ومهموماً أحمل أدوات الصيد، وأتوجه لأى مكان بالكورنيش وأمارس هواية الصيد».

 

واحد «قهوة مظبوط» فى «مطحن بن» قديم

«السادات» و«أديب» و«أبوعوف» أشهر «زبائنه»

 

الاستمتاع باحتساء «القهوة» وقوفاً أو جلوساً على الكراسى العالية، الأشبه بكراسى «البارات» داخل محال «البن» القديمة، بالمنشية ومحطة الرمل، يمثل إحدى مفردات «طقوس» السعادة فى حياة «السكندريين».

لاتزال تلك المحال محافظة على طابعها القديم ولايزال موجوداً بها العديد من «ماكينات» طحن وتحميص البن القديمة التى يزيد عمرها على المائة عام، منذ عهد ملاكها الأصليين الذين كانت غالبيتهم من اليونانيين أو «الجريج» كما يحلو لأبناء «الثغر» تسميتهم.

تفوح روائح «البن» المنعشة، المختلفة والطازجة من هذه «المطاحن» القديمة، معلنة عن تفردها ونجاحها فى الوقوف أمام عجلات «الزمن» بطابعها الكلاسيكى القديم، جاذبة انتباه وتركيز المارة من السكندريين والأجانب.

قال المهندس بحرى هشام عبدالجليل: «لا أتخيل إجازتى دون تواجدى هنا، حيث أبدأ يومى بشراء الصحف اليومية من محطة الرمل، ثم أحضر إلى مطحن البن لأتناول إفطارى من الكرواسون الطازج، الذى يتم إعداده هنا أيضا، ثم أحتسى فنجان القهوة من البن البرازيلى المميز، الذى أشاهد مراحل تحضيره، مع مطالعة صحف الصباح، وهو ما يمنحنى سعادة تدوم اليوم».

وأضاف: غالبية عشاق احتساء القهوة بالمطحن يعرفون بعضهم، وبمرور الوقت تنشأ بينهم صداقة، وأنا سافرت غالبية دول العالم، ومحافظات مصر، وشاهدت العديد من المقاهى والكافيهات، لكن تظل مطاحن البن القديمة بالإسكندرية متفردة وليس لها مثيل، وإحدى العلامات المميزة لها.

قال حسن طلعت (31 سنة) ماجستير إدارة أعمال، ومدير المحل: «مطاحن البن القديمة إحدى علامات المدينة، وشهرتها وصلت للخارج، ولها زبائنها من الأجانب أيضا، بسبب حفاظ غالبية أصحابها على طابعها وطرازها القديم وأيضا أسماء أصحابها، فصاحب المحل هنا كان يونانياً واشتراه جدى فى ثلاثينيات القرن الماضى، بالإضافة لحرفية الصنعة وجودة اختيار حبات البن وتجهيزه».

وتابع: «السكندريون أصحاب مزاج وذواقة فى تناول القهوة ومن كبار عشاقها، والبن بكل أنواعه من دول العالم، يأتى من الخارج حبات خضراء، يتم تحميصها وتبرد ثم تطحن، لكن البن المصنوع فى الإسكندرية له مذاقه الخاص والفريد، ومؤخرا قامت قناة ناشيونال جغرافيك بعمل فيلم تسجيلى عن عشق الأجانب لمطاحن البن بالثغروسجلت معنا».

 

وأضاف: «الرئيس الراحل السادات كان من عشاق تناول القهوة المصنوعة عندنا، وكثيرا ما شاهد أشقائى وهم صغار مندوب رئاسة الجمهورية فى عهده يحضر للمطحن، ويكشف على البن ويشاهد مراحل تجهيزه، وكذلك المذيع اللامع عمرو أديب من عشاق شرب القهوة بمطاحن البن بالمحافظة وقوفا، ويأتى لنا فى كل زياراته للمحافظة، أو الساحل الشمالى، وكذلك الفنان عزت أبوف».

 

«هنا الإسكندرية».. نصف قرن من النجاح الإذاعى

 

تحتل إذاعة الإسكندرية مكانة خاصة فى قلوب أبناء «الثغر» وأحد مفاتيح «سعادتهم» أيضاً، باعتبارها أول إذاعة إقليمية فى مصر والعالم العربى، حيث يعود تاريخها إلى 26 يوليو 1954، عندما انطلق بثها الإذاعى معلنا «هنا الإسكندرية».

فى البداية قال محمد محمد شلبى (40 سنة) بكالوريوس سياحة وفنادق، صاحب ومدير «فندق» بمنطقة محطة الرمل: «أشاهد التليفزيون نادراً، بسبب قضائى معظم وقتى أمام شاشة الكمبيوتر وشبكة الإنترنت، لمتابعة حجوزات الأجانب بالفندق، لذلك الراديو هو وسيلة التسلية الوحيدة التى أستمتع بها، خاصة الإذاعات الإخبارية الأجنبية، والإذاعة المصرية الوحيدة التى أستمتع بها هى إذاعة الإسكندرية، بسبب تميزها الشديد وإغراقها فى المحلية، وهو نهج إذاعى فى رأيى الشخصى ناجح جداً، وتتبعه معظم إذاعات الدول الأجنبية التى زرتها وعشت بها، فى الأقاليم والمدن التابعة لها، حيث تتنوع المحطات الإذاعية بها».

وأضاف: «ورثت حب الإذاعة من والدى، الذى كان يعشق الاستماع لبرامج إذاعة الثغر ومطربيها، وكان يطلق عليها زمان إذاعة «باكوس»، وحكى لى أنها عندما بدأت إرسالها كانت بها برامج ونشرات بعدة لغات، منها اليونانية، الإيطالية، والفرنسية، بسبب وجود الجاليات الأجنبية بالمدينة وقتها».

واستطرد: «أحرص دائما على الاستماع إلى برنامج «من أرشيف المحاكم»، الذى لم يتغير ميعاده منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً، فى الساعة 10 مساء السبت من كل أسبوع، ويعرض أهم القضايا والجرائم فى شكل مسلسل بوليسى، بالإضافة للنشرات المحلية، والأغانى السكندرية القديمة، لعمالقة الغناء السكندريين مثل بدرية السيد، عزت عوض الله، إبراهيم عبد الشفيع. وعلى فكرة إذاعة إسكندرية أحلى بكثير من القناة الخامسة، التى بعدت عن مشاكل وهموم الناس عكس ما كان متوقعاً عند إطلاق بثها، وإذاعة إسكندرية محافظة على نجاحها منذ أول إرسال».

 

«علوى»: 40 سنة بـ«مقهى» الكورنيش «العتيق» بجوار «شباك قديم».. يتذكر أيام الجرسونات الـ«جريج»

 

الجلوس على الـ«مقاهى» القديمة والعتيقة بالكورنيش.. أحد طقوس السعادة أو «المزاج» بلغة أبناء الثغر، خاصة المقاهى التى لا تزال محافظة على طابعها «الكلاسيكى» القديم والمميز، ذى الأبواب الخشبية الضخمة، والشبابيك الزجاجية، والمرايات المنتشرة بالحوائط. السيد علوى (82 سنة) أشهر رواد مقهى «كريستال» بمحطة الرمل، لسبب بسيط هو عشقه وارتباطه بالجلوس فى المقهى الذى تجاوز عمره 100 عام، لعمر تجاوز أيضا 40 عاما، على نفس «المقعد» بجوار النافذة متأملاً البحر والحياة والبشر، بـ«مزاج» يمنحه «السعادة»- حسب تعبيره.

قال «علوى»: «بداية ارتباطى بهذا المقهى نشأت منذ نحو 40 عاماً، عندما كنت أعمل عازفاً موسيقياً لآلة القانون كهاو بفرقة محمد المصرى، بإذاعة الثغر، وأعمل فى نفس الوقت موظفا فى إحدى الهيئات، وكنت ألتقى بالمقهى زملائى بالفرقة هنا، قبل التوجه للبروفات، وكان بالمقهى وقتها جرسون يدعى عم جابر يتحدث حوالى 4 لغات بطلاقة، وقبله كان بالمقهى جرسون (جريجى) دمه زى الشربات وكان الزبائن كلهم يعشقونه بسبب أدبه وأمانته».

وأضاف «علوى»: «يا سلام على دى الأيام، الجرسون اليونانى «الجريجى» أحسن جرسون فى العالم، ينحنى قدامك ويعاملك بلطف واحترام، وعارف طلب الزبون بمجرد دخوله المقهى، أنا بحب المكان ده عشان بيفكرنى بأصدقائى من الأجانب الذين رحلوا من الثغر، وهو ما يجعلنى أتألم أحيانا حزنا على فراقهم، وأشعر بالسعادة أحياناً أخرى لتذكرهم وتذكر ذكريات الشباب الجميلة وأخلاق الناس زمان، وأنا أقضى نحو 6 ساعات يوميا على المقهى، فى نفس المكان الذى اعتدت الجلوس عليه منذ 40 عاماً، بجوار هذا الشباك القديم، حيث أشعر بالسعادة».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية