قد يكون هذا العنوان صادماً.. ولكنها الحقيقة، لأن الثورة التى يحلم بها الشعب يجب أن تبدأ من التعليم، وما نراه الآن من توالى وزراء لم يقدموا لنا أى جديد، بل كل ما نراه الآن مجرد تكرار، فلا ثورة فى المناهج.. ولا ثورة فى الوسائل.. ولا حتى إعداد جيد للمعلمين.. والمدرسة، والأسلوب.. بل سيطرة كاملة للتعليم الخاص، وأكثره يهدف للربح.. يملكه رجال الأعمال.. لا - كما يجب وكما كان زمان - يتولاه معلمون يؤمنون بأن العلم رسالة.
والتعليم - كما كل الحكومة.. كلها - لم يحدث فيه ما نتمناه، حتى فقدنا ثقتنا، كل ثقتنا، فيمن يخططون وينفذون السياسة التعليمية.. رغم أننا لم نر سياسة.. ولا تعليماً.. ولا حكومة.. وكل ما فى مصر الآن يسير بقوة الدفع القديمة.. ومعظمها كان أيضاً فاشلاً.. وتعالوا نسأل: هل عندنا سياسة تعليمية، وهل اتخذنا خطوة إيجابية «حقيقية» لإصلاح هذا التعليم؟
وإذا كان التعليم هو نتاج عمل وسهر وعرق.. وتفكير عميق وراقٍ.. فهذا للأسف غير موجود عندنا الآن.. ودلونى على خطوة واحدة ووحيدة اتخذتها كل الحكومات فى السنوات الخمس الأخيرة هدفها إصلاح هذا التعليم.. وليس هذا لأننا لا نرى إلا النصف الفارغ.. ولكن لأن الكوب كله أصبح فارغاً، وأتحدى أن تجدوا عنصراً إيجابياً واحداً فى مسيرة التعليم طوال السنوات الأخيرة، وكان الله فى عون الرئيس السيسى.
وهل التعليم يبدأ من حيث انتهى الآخرون.. أو نأخذ بالمبادرة ونطلق النفير عالى الصوت، كما فعل الرئيس ريجان بصرخته المدوية «أمة فى خطر»، عندما رأى تفوق التعليمين الألمانى واليابانى على التعليم الأمريكى؟.. وإذا كنا نرفض سياسة التغريب، أى التشبه بالغرب، فلماذا لا نعود إلى أجدادنا عندما قرروا بدء نهضة حقيقية للبلاد، فكانت وسيلتهم هى البداية بالتعليم.. فعل هذا محمد على باشا.. وفعله حفيده الخديو إسماعيل، وحفيد حفيده الخديو عباس حلمى الثانى.
بل لماذا لا نعود إلى ما كان عليه التعليم المصرى قبل يوليو 1952.. وقد تعلمت فيه، ومنه؟.. وكان العالم كله لا يحتاج إلى أى «معادلة» لأى خريج مصرى، فى أى كلية مصرية، لكى يستكمل تعليمه ما فوق الجامعى فى أى جامعة عالمية.. وهذا النظام التعليمى المصرى «القديم» هو الذى أخرج لنا عباقرة مصر العظام.. وفى كل العلوم.. بل إن خريج المدرسة الابتدائية، أو حتى من حصل على الدبلوم، كان يعد عظيماً، ومنهم عباس محمود العقاد «الابتدائية»، ومحمد حسنين هيكل «دبلوم التجارة»، ومصطفى لطفى المنفلوطى فى الرومانسية الأدبية.. وحافظ إبراهيم فى الشعر.. ومحمد عبدالوهاب فى الموسيقى.. وأم كلثوم فى الغناء.
والآن.. احسبوا: كم عندنا من حملة الدكتوراة والماجستير؟.. ولكن كم منهم - بالفعل - من يفهم، أو من يعرف.. إن كان قد تعلم؟.. لأن مصر هذه كان المهندس فيها زمان أفضل من 1000 ممن يحملون الآن ويتباهون بدرجات الدكتوراة.. وهم أجهل من دابة، لأنهم حصروا أنفسهم فى مجال الدرجة «العلمية» التى يحملونها.
** نعم.. الآن كم جامعة فى مصر: حكومية «قومية» وأجنبية تسيطر على عالم «الاستثمار» فى التعليم.. أو جامعات خاصة هدف أكثرها هو الربح؟ كم فعلاً - عندنا - من جامعات؟ وكيف وصل التعليم عندنا رغم وجود كل هذه الجامعات «العددية»؟ وكم جامعة «كانت عندنا»؟ حتى الأربعينيات كانت جامعة واحدة هى «القاهرة».. ثم جامعة فاروق فى الإسكندرية فى منتصف الأربعينيات، ثم جامعة إبراهيم «عين شمس» بعدها.. وسرعان ما حصل الصعيد على جامعة «محمد على - أسيوط» ولكنها كانت جامعة قليلة العدد ولكن عظيمة الأثر والمفعول، حتى إن كل الأشقاء كانوا يصرون على تعليم أولادهم فيها.. وكانوا يلحون على استعارة أساتذتنا ليعلموا أولادهم.. ويفضلون: الطبيب المصرى، والمهندس المصرى، والمعلم المصرى.
** الآن.. العدد فى الليمون «رغم أن كيلو الليمون بكام الآن؟»، ولكن اسألوا كم هو ترتيب جامعاتنا «التى كانت» فى الترتيب العلمى لجامعات العالم؟.. وربما لأننا «نهوى الكم» على حساب «الكيف»، فنحن نتحدث كما عندنا.. ولا نتحدث عما يقدمه لنا كل هذا العدد.
** تعالوا معاً نفتح ملف الثورة الحقيقية.. التى هى التعليم، فلا نهضة بلا تعليم حقيقى.. لأنه هو الأساس السليم لكل ثورة.. ودون ذلك.. لا ثورة.. ولا نهضة.. وكفاية ضحك على الدقون، ولذلك مازلت مُصراً أن الثورة الحقيقية لم تبدأ بعد.. وتعالوا نحلم بتعليم أيام زمان.. وإلى الغد، أقصد إلى الثورة وإلى النهضة.