اعتذر رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، تونى بلير، عن إشراك بريطانيا فى حرب العراق، عقب صدور تقرير «تشيلكوت»، الذى اتهم بريطانيا بارتكاب خطأ تاريخى كارثى بخوضها الحرب إلى جانب الولايات المتحدة، واتهم «بلير» بالتهوّيل من التهديد الذى مثله صدام حسين.
وقال بلير إنه يتحمل المسؤولية كاملة على اتخاذه قرار الحرب على العراق، مضيفاً أن قرار الذهاب للحرب «كان أصعب وأكثر القرارات المؤلمة» التى اتخذها.
وأضاف، فى مؤتمر صحفى، مساء أمس الأول: «إن الجنود الذين لقوا حتفهم فى الحرب على العراق لم يموتوا عبثا»، رافضاً افتراض أن الإرهاب فى العالم اليوم نبع من غزو العراق، وقال إن العالم أصبح مكاناً أفضل بدون صدام حسين، وأقر بأن «المعلومات الاستخباراتية فى ذلك الوقت تبين أنها خاطئة». وقال «بلير»، معلقا على التقرير الذى أصدرته لجنة التحقيق فى الحرب وأتيح لها الاطلاع على وثائق حكومية سرية بصورة لم يسبق لها مثيل واستغرق استكماله 7 سنوات، إنه كان يضع فى اعتباره احتمال وقوع هجمات مماثلة لهجمات 11 سبتمبر فى بريطانيا، لكنه انتقد تقرير «تشيلكوت»، ووصفه بأنه يتضمن «انتقادات خطيرة»، وأضاف أن قرار الحرب اتخذ «بحسن نية»، وأنه تصرف بناء على المعلومات التى حصل عليها، حتى إذا اتضح فيما بعد أنها كانت مخطئة.
وتمسك بلير بتهويله من خطر الرئيس العراقى صدام حسين، وقال إنه كان سيطور أسلحة نووية وكيماوية. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، الأمريكية، أن الولايات المتحدة سعت لتشجيع بريطانيا على الانضمام لحربها على العراق، من أجل إضفاء قدر من الشرعية على الحرب، فى ظل غياب موافقة من مجلس الأمن الدولى.
وعلى الرغم من مطالبة عدد من نواب البرلمان البريطانى، بزعامة أليكساندر سالموند، بمحاكمة تونى بلير بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وتنظيم العشرات من المواطنين تظاهرة أمام منزله للمطالبة بمحاكمته، استبعد خبراء قانونيون وسياسيون محاكمته، لأن تقرير «تشيلكوت» لم يشر إلى تورط بلير فى جرائم حرب، فضلاً عن أنه لم يحدد مسؤوليته الكاملة عن المشاركة فى الحرب، فى ظل وجود أطراف أخرى متمثلة فى مساعدى بلير ومستشاريه، وأجهزة الاستخبارات الأمريكية. واتهم سير جيرمى جرينستوك، مندوب بريطانيا لدى الأمم المتحدة فى عام 2003، الولايات المتحدة بتوريط بريطانيا فى العراق، وقال إن بلير كان يسعى إلى استصدار قرار من الأمم المتحدة، لكن مسؤولين أمريكيين رفيعى المستوى كانوا يعتبرون ذلك «تضييعا للوقت».
فى المقابل، قال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكى باراك أوباما كان «يتعامل مع تداعيات» قرار غزو العراق، الذى كان يعارضه طوال فترة ولايته.
أما وزارة الخارجية الأمريكية فقالت إنها لن ترد على نتائج تقرير تشيلكوت، بدعوى «الانشغال» بالقضايا الحالية فى الشرق الأوسط، فيما قال الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الابن، الذى يعد المسؤول الأول عن قرار الحرب ضد العراق (2003-2011)، إنه لم يقرأ تقرير لجنة شيلكوت، الذى تسبب فى انتقادات واسعة لحليفه القديم تونى بلير فى المملكة المتحدة، معربا عن اقتناعه بأن العالم صار مكانا أفضل بدون صدام حسين.
ودافع رئيس الإدارة الأمريكية فى العراق فى ذلك الوقت، بول بريمر، عن الموقف الأمريكى قائلا إن المسؤولين البريطانيين أُبلغوا بدقة باستراتيجية التعامل مع حزب البعث، مضيفاً: «ناقشت الأمر مسبقا مع مستشار الأمن القومى ومع السلطات البريطانية فى لندن، قبل 10 أيام من صدور القرار، ولم أتلق أى اعتراض».
وقال رئيس الوزراء البريطانى، ديفيد كاميرون، إن أهم ما يمكن عمله هو أن نتعلم الدروس من حرب العراق للمستقبل، مؤكداً أهمية عدم تراجع بلاده عن دورها على الساحة العالمية، أو التقاعس عن اتخاذ إجراء لحماية شعبها، ووصف كاميرون إرسال القوات البريطانية إلى العراق دون المعدات اللازمة «بغير المقبول».
واعتذر زعيم حزب العمال البريطانى، جريمى كوربين، أمس الأول، عن قرار الحرب، الذى وصفه «بالكارثى»، وأكد أن حرب العراق زعزعت استقرار المنطقة بأسرها، وزادت من تهديد الإرهاب.
وقالت جين كينينمونت من المركز الفكرى «شاتهام هاوس»، إن الحرب على العراق «جعلت الرأى العام يشكك بعمق فى عمليات التدخل العسكرية، وخصوصا العمليات التى تقدم على أنها إنسانية».
فى المقابل دافع رئيس الوزراء الأسترالى الأسبق، جون هاورد، أمس الأول، عن قراره المشاركة فى الحرب على العراق إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، مؤكداً أنه كان مبرراً فى ذلك الحين، ولم يكن هناك «أى كذب»، وأعرب عن أسفه على الخسائر فى الأروح، لكنه دافع عن قراره.
وقال الدكتور محمد البرادعى، مدير وكالة الطاقة الذرية الدولية السابق، إن غزو العراق جريمة عدوان طبقاً لميثاق المحكمة الجنائية الدولية، وذلك عبر صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعى «تويتر». وشدد فى تغريدته على أنه دون محاسبة المسؤولين ستكون الرسالة أن تطبيق العدالة أمر انتقائى، تعليقاً على التقرير البريطانى الذى تم الإعلان عنه، أمس، بخصوص التدخل البريطانى فى غزو العراق.
وخلافاً للانتقادات التى طالت صدام حسين من جانب رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين، أشاد المرشح الرئاسى الأمريكى عن الحزب الجمهورى دونالد ترامب بالرئيس العراقى الراحل صدام حسين قائلا: إنه قام بعمل جيد حينما كان يقتل الإرهابيين. ونقلت صحيفة «واشنطن بوست»، الأمريكية، قول ترامب عن صدام حسين: «هل تعرفون ما فعله جيدا؟.. لقد قتل الإرهابيين. فعل ذلك بشكل جيد. وهم لم يقرأوا حقوقهم ولم يتفوهوا بشىء. كانوا إرهابيين. انتهى الأمر».