x

عزت القمحاوي طبائع الاستبداد فى كتلة الإيمان الرمضانية عزت القمحاوي الإثنين 04-07-2016 21:56


جاء رمضان ومضى ككل عام، وقد استقرت صورته كمتلازمة «للتدين والاستهلاك» لكنه فى الوقت ذاته ظاهرة فى صلب الاجتماع السياسى، يكمن داخلها الكثير من طبائع الاستبداد وآلياته.

ضباط ومسؤولون تنفيذيون يخلطون بين أشخاصهم وبين الدولة، فيشنون الحملات على مفطرى رمضان، بالمخالفة للقانون بل للإسلام نفسه الذى أباح إفطار المرضى والمسافرين والحائضات والنفساوات، وغير المسلمين بالطبع. لكن هؤلاء الطغاة الصغار ليسوا استثناءً.

إذا أخذنا على سبيل المثال كتلة الساهرين لصلاة القيام، الذين يهاجرون إلى مساجد بعينها، يحملون شربهم وأكلهم. فى الظاهر نحن بصدد كتلة متجانسة رابطها هو الإسلام، دون أن يدرك الواحد منهم أن ما يربطه بالآخرين فى المسجد المزدحم هو طقس من طقوس العقيدة لا جوهرها؛ بوصفها دعوة لحسن الخلق والعدالة وعدم الإيذاء.

أول ما يرتكبه هؤلاء بحق المجتمع هو الفوضى التى يتركون بها سياراتهم أمام المساجد، حتى ليتعذر مرور الإسعاف أو المطافى. لا يفكر أحد منهم فى مسؤوليته عن موت مريض أو محترق فى منطقة المسجد.

هذه الكتلة قررت بوعى أو دون وعى فصل التدين عن الإنسانية، لكنهاـ مثل الضباط المتدينين ـ فى مأزق مع الإسلام نفسه، الذى يأمر بإماطة الأذى عن الطريق.

لقد قرروا الانحياز للطقس على حساب العقيدة، وهم منحازون فى الوقت ذاته إلى إسلام رومانسى يجمع مسلمين مثاليين، هم المسلمون المجهولون، لذلك يحرص المصلون على التوجه إلى المساجد البعيدة، بحثًا عن صحبة المسلم الصالح، أى المسلم المجهول، لأن سوابق النزاع على موقف للسيارة أو على دفع تكلفة المنافع المشتركة للعمارة، تمنح كلٍ منهم صورة «المسلم السيئ» لدى جاره!

على أن شهرة المساجد زائلة مثل الموضة، تتغير من رمضان إلى آخر، باستثناءات قليلة لعدد من المساجد الجامعة. وتتحكم فى شهرة المسجد (بعد شرط المسافة الكبيرة) عوامل مختلفة، منها جودة التكييف والفرش ودورات المياه، وسهولة الوصول إليه. وقبل كل هذا بالطبع الإمام الماهر فى البكاء.

كتلة الجمهور المؤمن التى لا تكترث لراحة أو أمان غيرها، ستجد بانتظارها إمامًا مسلحًا بمكبر للصوت. لا يعبأ بالمرضى حول المسجد، ولا بمن يعملون فى الليل، ولا بالمنكوبين فى محنة الامتحانات.

لم تنطلق رسالة الإسلام من ميكروفون، ولم يكن البكاء من أركان الإسلام. والشعور المنطقى لمن يمارس العبادة هو الرضا، بل والسعادة، إلا أن بكاء الخِشية معروف منذ فجر الإسلام، لكنه كان بكاءً فرديًا أو شبه فردى، مقتصر على إمام يختنق بالعبرة وحيدًا أو بين من يؤمهم فى لحظة قراءة آية من آيات العذاب. حضور الميكروفون جعل الأمر مختلفًا. الوعى بوجود الآلة المكبرة للصوت جعل الأمر استعراضًا، أى عرضًا فنيًا فى البكاء والإبكاء مستمر على مدار الوقت.

ليست هناك فائدة يجنيها الإسلام من ضوضاء مبهمة يستحيل تمييز كلمة واحدة منها، ثم إن هذه الضجة تتضافر مع ضوضاء المساجد الأخرى، فينسد الأفق بنهنهات مثيرة للكآبة تعتدى على راحة الناس ومعايشهم.

ومثلما يزيل الديكتاتور الحد بين شخصه والدولة؛ فيعتبر مناقشة أفكاره خيانة وطنية، تزيل الكتلة الإيمانية الرمضانية الحاجز بين أفرادها وبين الدين وتعتبر كل نقاش لسلوكياتهم العدوانية ضد راحة وسلامة الآخرين عدوانًا على الدين.

هذه الكتلة القامعة التى لا تعترف بحرية الفرد، هى ذاتها المستعدة لتلقى القمع فى مقابل وطن رومانسى مُفبرك من مواطنين مثاليين لا وجود لهم فى الواقع.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية