x

عباس الطرابيلي حوت على المحيط.. والمسجوف على دجلة! عباس الطرابيلي السبت 02-07-2016 21:48


فى مدينة العيون- بإقليم الصحراء الغربية- على شاطئ المحيط الأطلنطى، أكلت الحوت!! كان ذلك فى النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى.. وكنت فى المغرب لتغطية أحداث ثورة البوليساريو، بعد شهور من تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء، التى انطلقت من سيدى إفنى ثم طرفاية لاستعادة السيادة المغربية على إقليم وادى الذهب والساقية الحمراء- وكان مستعمرة إسبانية- وبتكليف من الملك الحسن الثانى، عاهل المغرب، سافر معى وزير شؤون الصحراء، خليهن ولد الرشيد، لألتقى مع مشايخ وكبار شخصيات الإقليم.. وهبطت بنا طائرة خاصة فى مطار مدينة العيون عاصمة الإقليم.

ومضى اليوم الأول فى لقاءات مع كبار شخصيات القبائل.. وزيارة ميناء تصدير الفوسفات المستخرج من مناجم بوقراع، على المحيط الأطلنطى.. وضاع علينا موعد الغداء، فى فندق «لابرادور» الإسبانى العريق.. ولكننى وجدت رائحة سمك تعبق المطعم الخالى، إلا منا.. فطلبت طبقاً مما أشم.. فقال مرافقى «هذا حوت» قلت أجرب أكل الحوت.. وكان هذا هو كل ما فى مطعم الفندق ساعتها.. وجلست.. وقدموا لى طبقاً فيه نصف حبة طماطم صغيرة وورقة كرنب ونصف جزرة.. ثم طبقاً- قالوا لى: هذا هو طبق الحوت.. وصدمتنى المفاجأة.. كنت أمنى نفسى بطبق من لحم الحوت- خصوصا ونحن على شاطئ المحيط لسنا بعيدين عن جزر كناريا، أشهر جزر غرب أفريقيا السياحية، وأكبر منطقة جذب سياحى.. ولم يكن طبق الحوت سوى سمكة صغيرة من نوع السردين، وملعقتى أرز، لا ثلاث ملاعق!! قلت يمكن يكون هذا الطبق نوعاً من المقبلات، أى السلطات.. ولكن كان هذا هو كل وجبة الغداء، وقارنت هذا بأفضل وأكبر واحدة استاكوزا «لوبيستر» رأيتها فى حياتى.. كان هذا فى أقصى غرب أراضى سلطنة عُمان. كنا قد انطلقنا من مدينة صلالة «عاصمة إقليم ظفار» وكان ذلك بعد نجاح السلطان قابوس بسياسته الهادئة والجديدة، فى احتواء ثورة ظفار.. وكانت وجهتنا هى مدينة رخيوت، آخر أكبر مدينة عمانية، قرب الحدود مع اليمن.. وتوقفت سيارتنا أمام منزل منخفض يؤدى إلى ميناء رخيوت الصغير.. ونادانى مواطن عمانى كان صاعداً من ميناء الصيد.. وكان يحمل فى يديه اثنتين من الاستاكوزا، هما أضخم ما رأيت، كان وزن الواحدة حوالى أربعة كيلو جرامات، تخيلوا.. وعرضهما الصياد علىّ مقابل خمسة ريالات عمانية للاثنتين.. ولما تمنعت نزل الصياد بالثمن إلى ريالين.. فقط، وما ندمت على شىء فى حياتى كما ندمت وأنا أعتذر عن شرائهما.. فقد كنا نبعد كثيراً عن مدينة صلالة، حيث الفندق الذى كان يمكن أن يعدهما لى، على الغداء.. كانت كل لوبيستر «لسة بتلعب» ومازالت صورة الصياد العمانى ماثلة أمامى، وهو يحمل حبتى الاستاكوزا العملاقتين.

وما دمنا نتحدث عن الوجبات البحرية، فهل ننسى لذة وطعم سمك المسجوف فى المطاعم المنتشرة على شط نهر دجلة بشارع أبونواس، فى بغداد.. حيث يربط الصيادون هذه الأسماك، فى سلال لتظل حية.. ثم ينزل عمال المطعم لحمل هذا السمك «حياً» إلى حوض داخل المطعم.. وبالمناسبة السمك الحى- هذا- أغلى سعرا من السمك عندما يموت.. ويتم إعداد السمك مشوياً بالقرب من نيران مشتعلة من خشب خاص إلى أن يقترب نضجه، ثم يتم إبعاده قليلاً إلى حواف النيران.. وخلال هذه العملية يتم تقديم أطباق المخللات والسلطات للزبون.. مع الخبز البغدادى الشهير.. ولن تنسى طعم هذا المسجوف، خصوصاً إذا تناولته بعد العشاء، ومياه نهر دجلة تلمع سابحة، متجهة نحو الجنوب، نحو شط العرب وقاعدتها مدينة البصرة.. ويفضل أهل العراق تناول المسجوف.. مع المشروب العراقى اللذيذ المصنوع من «دبس التمر» أى عسل التمر.. وهو من أقوى الخمور!!

ولكن لا يقل لذة هذا المسجوف العراقى، عن لذة أسماك المزارع فى منطقة البردونى فى وسط لبنان، وتختار ما تريد.. وهو مازال حياً.. وإذا كان العراقيون يقدمون المسجوف مع طبقين، أو ثلاثة من المخللات.. فإن اللبنانيين يقدمون أسماك البردونى «وليس البربونى» مع أطباق من المقبلات، أى السلطات، قد تصل إلى 48 طبقاً.. وكلوا واستمتعوا.

■ ■ ولا تقل أركان «السلطات» فى مدن أمريكا روعة ولذة عما تجده فى لبنان، إذ يمكنك أن تدخل مطعماً لتحصل- فقط- على طبق من السلطة.. والطبق أحجام.. وكل حجم بثمنه.. ويقبل الأمريكى على أركان السلطات فى وسط النهار، أى ساعة الغداء «البريك» ويكتفى بها.. ويعود إلى عمله.. لأن الوجبة الأساسية.. هى العشاء.

■ ■ وإذا كنت فى واشنطن، فلا تنس أكل الآيس كريم فى المحل الأرمنى الشهير فى ضاحية ألكسندريا، وتعلوه طبقة من المكسرات المجروشة.. وقد تناولته، وكان بجوارى السفير أحمد ماهر سفيرنا فى واشنطن أيامها، ومعى أيضا العزيز توماس جورجسيان مراسل الوفد فى واشنطن، وهو الآن أحد كتاب «الأهرام» فى واشنطن.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية