هنا فى واشنطن، لم يعد أحد يتحدث عن نشر الديمقراطية فى المنطقة العربية أو ضمان إمدادهم بالبترول أو حتى حماية إسرائيل، فالأخيرة مُدَجَّجة بالسلاح لدرجة تخيف أمريكا من أن تورطها حليفتها فى حرب مع إيران، والبترول أصبح «على قفا من يشيل»، ولا عزاء للمغفلين! أما التحول الديمقراطى فى المنطقة فلم تعد الإدارة الأمريكية تعتقد أو تزعم أن حربا فى العراق ستأتى بها أو ثمانية عشر يوما فى ميدان التحرير ستكون بشارة فصل ربيع أو سنة أو حتى عقد. فى خطابه السنوى الثامن والأخير لنهاية فترتى رئاسته لأمريكا، قال باراك أوباما للكونجرس وشعبه: «إن الشرق الأوسط يمر بعملية تحول ستستمر جيلا كاملا، وصراعات تمتد جذورها آلاف السنين»، وبغض النظر عما إذا كان الرئيس الأمريكى المتأهب للانصراف يقلد معلمه الديمقراطى الأسبق فى الرئاسة بيل كلينتون حين تعلل فى بداية حكمه بعدم التدخل فى مذابح يوغوسلافيا والبلقان بأنها نزاعات تعود لقرون، فالفارق هذه المرة أن الأمريكيين لم يعودوا- بعد عقدتى فيتنام والعراق- على استعداد لأى تدخل خارجى وحدهم.. ويقول أوباما، المهتم باستكمال تعافى الاقتصاد الأمريكى، إن لديهم أولوية واحدة هى حماية الشعب الأمريكى، وتعقُّب شبكات الإرهاب، لكن مع التأكيد على أن داعش أو القاعدة لا يهددان الدولة الأمريكية كما قد يحاول البعض التضخيم من قوتهما، إنما خطر تهديدهما بعض المدنيين الأمريكيين ببلطجية يقفون على سيارات نقل برشاشات أو يُخطِّطون فى بعض الشقق أو عبر دعايتهما عبر الإنترنت، لإغواء الشباب الذين يصدقونهما حين يجدوننا نُضخِّم منهما وكأنهما أصبحا قوة عظمى!
الرئيس الأمريكى لا تعنيه هذه المنطقة، ويقول إن ما يهدد أمريكا لم يعد «إمبراطوريات الشر»- على حد تعبير بوش الابن- بقدر ما هو الدول الفاشلة، التى قد تورِّط أمريكا للتدخل فيها بنداءات العالم للمساعدة والإعمار! مبدأ أوباما الرئاسى لمَن يريد أن يعمل به بعده فى البيت الأبيض هو عدم التدخل إلا إذا تحمل معنا العالم أى مهمة، وبالنسبة له فيما يتعلق بمنطقتنا «حتى بدون داعش وبدون وجود القاعدة سيستمر عدم الاستقرار فى الشرق الأوسط..». أخيرا، وبعيدا عن نظريات المؤامرة ومَن يخططون ضدنا.. هناك مَن تندروا على عدم معرفة أوباما بتاريخ المنطقة، وكأنه لا يعرف أن عمر الإسلام- إن كان هو قصده- لم يصل آلاف السنين، وبأنه مستشرق أو خواجة، بينما يرى آخرون أن الثقافة المتأصلة فى المنطقة ربما المقصود بها نمط الاستبداد الشرقى والفرعونى، وأن عملية تحول أشبه بحروب العصور الوسطى الأوروبية وصراعات عصر النهضة والتنوير استغرقت أجيالا فى الغرب حتى تحققت لديهم عملية التحول الديمقراطى، ولا داعى لحساب التاريخ العربى بالتقويم الغربى الميلادى 2016- وإنما بأننا مازلنا فى عام1437، فعلامَ العجلة؟!