x

أيمن الجندي دولة الحب فى المدينة المنورة أيمن الجندي السبت 02-07-2016 21:47


أمضيت عامين من أجمل أيام حياتى فى المدينة المنورة. صاحبت خلالهما بعض الصوفية. أشهد أنهم كانوا من أرق الناس أفئدة. وكانوا يسارعون فى الخيرات. بالطبع كان بينهم مُدّعون. هؤلاء لن أتحدث عنهم. لأن الطفيليين موجودون فى كل مكان. يفسدون كل جمال، ويبصقون فى كل نبع، ويستغلون أرقى ما فى النفس الإنسانية من أجل متاع قليل. يتظاهرون بأنهم يحبون ليخدعوا الطيبين الغافلين من أجل لعاعة من مال، ومن خدعنا بالله انخدعنا له.

لكن ما أود الكتابة عنه هو شىء آخر لاحظته أثناء سيرى فى الطريق مع هؤلاء الأفاضل. وهو أن حبهم الشديد للنبى ملتبس نوعا ما بحبهم لله عز وجل. إنهم يذكرون النبى فى كل جملة، حتى فى سياق الحديث الدنيوى. ومحور عبادتهم فى المديح وكثرة الصلاة على خاتم النبيين. ولكنى لم أجد لهم الهمّة نفسها فى التسبيح وسائر الذكر. لا أقصد مطلقا أنهم يشركون بالله كما يزعم غلاة السلفية. ولا يخطر على بالى أنهم يتوجهون بعبادتهم إلى غير الله. حاشا لله أن أفترى عليهم ذلك. هم يعبدون الله بلا شك. ويسجدون له وحده. وكثير من العبارات التى يعتبرها الغلاة (شركية) يرددونها بحسن نية. ولا يقصدون بها سوى التعبير عن شدة المحبة.

وقد نلتمس لهؤلاء العاشقين العذر من الطبيعى أن يكون للنبى حضور قوى فى المدينة المنورة، حيث القبر الشريف والآثار النبوية. والقبة الخضراء تخطف القلوب. وسيرته- صلى الله عليه وسلم- فى كل مكان. لكن رأيت ذلك مدخلا مناسبا لأفرّق، ويزيد وضوحا فى أذهاننا الفارق بين حب الله عز وجل وحب النبى صلى الله عليه سلم.

ينبغى أن يكون واضحا فى عقل كل مسلم أن الكون ينقسم إلى قسمين. الله تعالى فى جانب وكل من سواه فى جانب آخر. كل ما عدا الله تعالى قوته مكتسبة من الله. جبريل عليه السلام. سيدنا محمد وسائر الأنبياء فضلهم سببه الوحيد أن الله تعالى فضّلهم. لا شىء آخر على الإطلاق. نحب النبى لأن الله أمرنا بحبه. ونفرق تماما بين حب الله وحب الرسول.

حب الله هو الأصل وحب النبى فرع من هذا الأصل. هذا ما أمرنا به المصطفى (أحبوا الله لما يغذوكم به من نعم. وأحبونى بحب الله).

الاختلاف بين حب الله وحب الرسول ليس اختلافا فى شدة المحبة، ولكنه اختلاف فى نوع المحبة. نحب الله تعالى لأنه خلقنا، ولأنه سبحانه مستحق للحب والعبادة فى ذاته. ونحب النبى كانعكاس من حبنا لله. فقط ولا شىء آخر. إنه كالفارق بين الشمس والقمر. الشمس مضيئة فى ذاتها (ذلكم حب الله)، أما القمر ففى الأصل معتم، ولكن انعكاس الشمس عليه هو الذى جعله بهذا الألق الساحر (وهذا حب النبى).

ونحن إذ نقرر ذلك فإننا نطيع عين ما أمرنا به النبى المصطفى. إذ لم يحرص - صلوات الله وسلامه عليه- على شىء كالتنبيه إلى وحدانية الخالق. وأنه وحده المعبود ووحده المحبوب. ومن يختلط عليه الحبّان، بزعم محبة النبى، فهو فى الحقيقة لا يطيع أمر النبى ويجهل تعاليمه.

القرآن ما هو إلا تعريف بالله، ترنيمة حب فى عشق الخالق. ما جاء الأنبياء إلا ليرشدونا إلى وحدانيته وجلاله وعظمته. فيا له من خالق عظيم مجيد يستحق أن نفرغ قلوبنا من كل (سوى) لتمتلئ قلوبنا بأنوار مجده.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية