x

أيمن الجندي هؤلاء المتحمسون أيمن الجندي الأربعاء 29-06-2016 22:13


صلاة التراويح كانت مليئة بالروحانيات. لذلك لم أتصور قط أن أسمع ما سمعت بمجرد خروجى من المسجد.

■ ■ ■

فى ذلك المساء صليت العشاء كما هو معتاد. وطيلة الصلاة أصغى إلى التلاوة العذبة وأتفكر فى روعة القرآن الكريم. بمجرد أن غادرت المسجد حتى سمعت رجلا متين البنيان يتحدث فى الهاتف. حديثه يوشك أن يكون صراخا أو هو صراخ بالفعل. شىء أشبه بزئير الأسود الذى هو فى الحقيقة جزء من الحرب النفسية لإيقاع الهزيمة بالخصم قبل أن تبدأ المعركة. هل تعرفون أنه فى حنجرة الأسد غرفة لتكبير الصوت تسمح بخروج الهواء من الحنجرة بسرعة ستين كيلو مترا!.

■ ■ ■

لابد أن هذا الرجل المتحمس كانت لديه هو الآخر غرفة لتكبير الصوت. بدا لى فى ظلام الليل طويل القامة عريض البنيان. والغالب فى أصحاب هذه البنية القوية أن يصاحبها نوع من العدوانية. والمؤكد أنه لم يكن يلقى بالا للجمال الكونى ولا حتى للسكينة التى يضفيها شهر رمضان. لأنى سمعته يقول: «واد يا حسن. إيه اللى بتعمله ده؟». ويبدو أن الواد حسن رد بقول لم يعجبه لأنه قال على الفور: «آه يا بن دين (الك...). استنى بس لما آجى لك».

■ ■ ■

ولم أدر من هو الواد حسن بالطبع! ولا ماذا الذى فعله ليغضب هذا الرجل الخطر إلى هذا الحد، ويخرجه عن ثباته الانفعالى لدرجة أن يسب بالدين! ومتى؟ فى رمضان المعظم؟ أعلم بالطبع أن الرجل لا يقصد الكفر! ولا يعى أنه يسب دينه! بل لعله مستعد إذا تعرض هذا الدين للخطر أن يدافع عنه بحياته. إنه رجل ببساطة لا يدرى ماذا يقول. لكن المفارقة أدهشتنى.

وتداعت إلى ذهنى ذكرى طريفة فعلا حدثت منذ عدة سنين. قصصتها بالطبع لأصدقائى ومتنا من الضحك وقتها. وخلاصتها أننى كنت فى زفاف ابنة شقيقتى. الفتاة الحالمة الرقيقة. وكان يحيى الحفل مطربا مشهورا جدا فى هذا الوقت، دخل مع فرقته الموسيقية القاعة بغتة ليشعل الحفل بأغنيته الذائعة وقتها: «العنب.. العنب».

وهب أصدقاء العريس متحمسين. ورقصت الفتيات الحالمات صديقات العروس الرافلات فى أبهى زينة. وانبهرت عيونهن حلما بالسعادة المكنونة المختبئة لهن فى أصداف الأقدار. أنتم تعرفون جو الأفراح وما تثيره من مشاعر رقيقة فى قلوب الفتيات اللواتى لم يسبق لهن الزواج بعد. وكأنما ليس بينهن وبين السعادة المنشودة إلا أن يرفعن أيديهن الرقيقة ويقطفن عناقيد العنب. حتى أنا تأثرت، وشرعت أتنفس الجو الحالم المسحور، متأملا فيما مضى من حياتى وفيما يكون.

■ ■ ■

وحين انتهت الفقرة ذهبت إلى الحمام، فهل تتخيلون ما شاهدته هناك؟ وجدت المطرب المشهور يغسل وجهه أمام المرآة اللامعة، وفرقته التى غرست الورد فى قلوب الحالمات، ما بين واقف يتبول وآخر يغسل وجهه. والطريف أنهم كانوا يسبون المطرب المشهور بأقذع الألفاظ مرددين الكلمة ذاتها: «يا ابن دين (الك...) مش حتدينا أجرتنا بقى! لو ما خدنهاش الليلة دى حنطلع ميتين أبوك».

وغادرت الحمام مذهولا وقد نسيت أن أقضى حاجتى. بالطبع لا حاجة بى أن أذكر أن المطرب المشهور وفرقته عادوا ليشعلوا الزفاف فرحا وسرورا، يتقافزون كأن شيئا لم يكن يحدث فى الكواليس. واندمج الجميع فى الحلم الملون باستثنائى أنا! ظللت أرقب ما يدور حولى بابتسامة جانبية ساخرة، وأنا أضرب كفا على كف من أحوال هذا العالم العجيب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية