أتصور أن يكون ما حدث فى امتحانات الثانوية العامة هذه السنة إعلانا لنهاية النظام التعليمى المصرى الحالى بأكمله، ومن مرحلة الابتدائية، هو نظام تأخر وترهل ولن يُجدى معه إصلاح جزئى أو ترميم وقتى، وكم من دول عانت مثلنا من قبل، لكنها تنبهت وَوَعت وابتكرت نظما تعليمية جديدة انتقلت بها وبتلاميذها وبمواطنيها إلى مصاف الدول الناهضة، الخوف كل الخوف ألا نستوعب درس هذه السنة بما صاحبه من مخازٍ وفضائح وتسريبات وغش، وأن نمضى فى نفس الطريق القديم، حيث لا مدرسة حقيقية ولا مدرسين مؤهلين ولا مناهج متطورة ولا حتى كتاب مدرسى، الخوف أن يبقى الحال على ما هو عليه كسلاً أو جهلاً مع أن أمامنا تجارب العالم التى منها يمكن أن نستفيد وأن نتعلم.
وأتوقف عند تجربة دولة أوروبية كانت منذ سنوات قليلة فى ذيل قائمة الدول الأوروبية فى مجال التعليم، اليوم تعدتها، وفاقت الجميع، وهى (فنلندا)، قد تبدو تجربتهم غريبة علينا، منها مثلاً: أنه لا تعليم قبل سن السادسة وتبدأ المرحلة الابتدائية فى سن السابعة، وبها لا واجبات منزلية، وأقصى ما يمكن مراجعته بالمنزل لا يزيد على عشر إلى عشرين دقيقة فقط، اليوم المدرسى من ثلاث إلى أربع ساعات ولا يتعدى الأسبوع المدرسى عشرين ساعة بينها ساعة راحة لكل يوم.
فلسفتهم أن مرحلة الطفولة قصيرة فلنترك أطفالنا يستمتعون بها ويكتسبون مهارات فى نفس الوقت. المدارس عندهم واحدة لا تميزّ لمدرسة عن أخرى ومدرسة الحى هى الأفضل بالنسبة للطالب فهى الأقرب إلى منزله فلا يضيع عمره فى الطرقات، الامتحانات إجبارية فقط آخر السنة والتعليم إلزامى ومجانى من سن السابعة حتى السادسة عشرة، والمدرسون والمدرسات لتلك المرحلة من المؤهلين علميا وتربويا ولا تقل شهاداتهم عن الماجستير، ويتم اختيارهم بّدقة كبيرة يقولون: هنا يكافح المرء حتى يكون معلماً وقتها سيحظى بالإجلال والاحترام ويحصل على أعلى الرواتب، ويلتزم المدرسون بالتدريب المستمر وينظرون إلى التدريب باعتباره امتيازاً.
فى الريف والمناطق النائية يتم نقل الطلاب إلى مدارسهم مجاناً وعند المرحلة الثانوية، إما أن يستكمل الطلاب دراستهم فى المسار الأكاديمى أو المهنى، ويتغير النظام التعليمى كلما حدث تبديل فى النظام الاقتصادى الفنلندى، وتتم إضافة مهارات جديدة للطلبة، وقد استقر فى وعى الفنلنديين أن السبيل الوحيد للنهوض بالاقتصاد يكون عبر تحسين المدارس، وأن الرهان على النهضة يبدأ بالتعليم وأن المدرس هو العامل الأساسى لتحقيق جودة التعليم.
ونستكمل: فى نهاية المرحلة الثانوية يكون الطلاب قد تَعلموا لغتين أجنبيتين على الأقل منهما الإنجليزية، وفى حالة اختيار الطريق المهنى وليس الأكاديمى يتم التعليم والتدريب فى المنشآت الزراعية والصناعية بالاتفاق بين الحكومة ورجال الأعمال.
يقول الفنلنديون عن تجربتهم الناجحة مع التعليم: أدركنا منذ البداية أنه لا نهضة إلا بالتعليم وأردنا بالتعليم أن نحقق لأولادنا السعادة فى نفس الوقت، ونتيح لهم الوقت للتعامل مع الحياة ومع زملائهم كى يكبروا كبشر يحترمون أنفسهم ويقدرون الآخرين، وأن يدركوا أن العالم حولهم أكبر من المدرسة.
تُرى أين نحن من هذا الفكر؟ ما زلنا نحبو.. هذا صحيح.. لكن يبقى دائما الأمل.