x

«المصري اليوم» تواصل حملة مستشفيات لا تعرفها تبرعات أهل الخير (٣): أطفال السويس «خارج الرعاية المركزة»

الأحد 26-06-2016 22:29 | كتب: أمل عباس |
طفل يتلقى العلاج داخل المستشفى طفل يتلقى العلاج داخل المستشفى تصوير : سيد شاكر

«انطفأ نور وجهه الملائكى بصقيع الموت وبرودته، ولم تنقذه براءته وجسده الصغير وآلامه أمام عدم توفير المسؤولين غرفة عناية مركزة له ولغيره لتقديم رعاية لهم تحترم آدميتهم وطفولتهم البريئة».. ومات «سيف» دون أن يشعر به أحد.

الحالة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة فى السويس، حيث تعانى المستشفيات العامة فى المحافظة إهمالا جسيما، حيث لا تتوافر أكياس الدم اللازمة للمرضى، كما لا توجد غرفة عناية مركزة للأطفال الذين يعالجون فى غرف عادية غير مجهزة، فيما يضم مستشفى السويس العام نحو 17 سرير عناية مركزة فقط، وهو عدد محدود جدا إذا قورن بالمترددين على المستشفى.

«المصرى اليوم» عايشت عددا من الحالات، منها حالة الطفل «سيف الدين أحمد السيد»، 3 سنوات، طريح الفراش بمستشفى التأمين الصحى بمنطقة حوض الدرس بالسويس، فى غرفة غير مجهزة عنوانها الإهمال، حيث لا يوجد بالغرفة سوى سرير طبى يرقد الصغير عليه وخلفه حامل عبوة محاليل متصلة بأنف الصغير دون وجود جهاز تنفس صناعى لإنقاذه وقت الحاجة إليه، وإلى جواره تجلس والدته تضع كمامة طبية تغطى الفم والأنف، ويدخل أحد الأطباء لمباشرة حالة الصغير. تسأل الأم بمزيد من اللهفة والقلق: «طمنى يا دكتور»، فيرد الطبيب متألما: «الحالة صعبة يا أمى، نفعل كل جهد، وربنا معاه» فيما يمنع الطبيب شقيقه الأكبر من الدخول على أخيه المريض لعدم ارتدائه كمامة، لأنه من المفترض وضع «سيف» فى غرفة عناية مركزة للأطفال، ونتيجة عدم وجود غرف عناية للأطفال، وشغل جميع آسرة العناية المركزة بالمرضى الكبار تم وضعه فى غرفة عادية وإجبار كل من يدخل عليه بارتداء الكمامة بسبب ضعف مناعته وحالته المتدهورة.

بدأ «سيف» ينزف من أنفه وحالته تمضى من سيئ إلى أسوأ، والأم تبكى بشدة وتعاود سؤال الطبيب: «أليس هناك حل يا دكتور؟» فيرد: «نحاول قدر المستطاع وربنا معانا، نحتاج إلى أكياس دم وليس بالمستشفى بنك دم»، تنهار الأم باكية وهى تردد: «يا رب يا رب».

الأم تنقل حديثها إلى «المصرى اليوم» قائلة: «والده فى العقد الخامس من عمره أرزقى يعمل بمقهى، نحن فقراء ليس معنا أموال لنقله لمستشفى خاص بالقاهرة لوضعه فى عناية مركزة أطفال، تمهيدا لإجراء عملية زرع نخاع شوكى، سأفقد أصغر أبنائى.. ليتنى كنت مكانه أتحمل الوجع والمرض أو أعطيته عمرى ليعيش بدلا منى». وأثناء استكمال «المصرى اليوم» التحقيق، مات سيف، ماتت البراءة الجميلة والطفولة المرحة، سكتت أنفاسه وتيبس جلده فوق الوجنات.

مستشفى

قال الدكتور محمد عبدالرءوف، إخصائى أطفال لـ«المصرى اليوم»، إن الطفل سيف كان يعانى من فشل فى النخاع العظمى، ترتب عليه أنيميا مزمنة نتيجة نقص فى إنتاج كرات الدم البيضاء ونقص فى الصفائح الدموية تسبب فى نزيف من مخارج الجسم، والحالة العامة كانت سيئة، وكان من المتوقع أن يدخل فى نزيف على المخ، حيث إن الطفل يعانى المرض منذ عام تقريبا، وكانت تحضره أسرته إلى المستشفى من وقت لآخر، إلا أن حالته ساءت وتم حجزه بالمستشفى.

وأضاف «عبدالرءوف»: «لا يوجد بنك دم فى المستشفى، ولا يوجد مكان له فى العناية المركزة، ولا توجد بالمستشفى وبالسويس كلها عناية مركزة للأطفال، مما اضطرنا لنقله إلى هذه الغرفة واحتجازه بها ومحاولة إسعافه بإمكانيات المستشفى الضعيفة، التى طالما طالبنا بتوفيرها دون فائدة، ولكن نقف عاجزين أمام نقص الإمكانيات».

التقط طرف الحديث الدكتور أحمد إبراهيم، استشارى طب الأطفال بالمستشفى، أستاذ طب الأطفال بجامعة قناة السويس، قائلا إنه لابد من أن يكون بكل محافظة مستشفى به وحدة عناية مركزة للأطفال، مع توفير غرف العناية المركزة حسب عدد السكان بكل محافظة، فمثلا السويس بها على الأقل 200 ألف طفل يترددون على المستشفى سنويا، ونحن نضطر لتحويل الحالات إلى مستشفى خارج السويس لأن المحافظة كلها ليست بها غرفة عناية مركزة للأطفال، وأقرب عناية لهم بمستشفى جامعة قناة السويس بمحافظة الإسماعيلية.

وأضاف «إبراهيم»: «هناك طفل يدعى (إياد) 3 سنوات، يرقد فى حالة حرجة داخل المستشفى، يعانى من غيبوبة تشنجات، وحالته حرجة، ونظرا لعدم وجود غرفة عناية له تم وضعه فى غرفة لا تحتوى على الإمكانيات التى يحتاجها من أجهزة طبية لإسعافه، لكننا وضعنا له المتاح بسبب ضعف الإمكانيات».

وتابع أن وزارة الصحة والتأمين الصحى «مفيهمش فلوس»، لذا لابد من الاستعانة بتمويل منظمات المجتمع المدنى ورجال الأعمال، اللذين مازالا مقصرين، فما دامت الدولة لن توفر عليهم المشاركة المجتمعية بتوفير عناية مركزة للأطفال بأى من المستشفيات الحكومية بالمحافظة، لافتا: «بقالنا 3 سنوات بنطلب مكان للعناية المركزة بالمحافظة وللأسف دون استجابة».

وفى مستشفى السويس العام، لم يكن الأمر مختلفا كثيرا، فهو الآخر رغم كثرة إقبال المصابين بحوادث طرق وغيرها ومرضى الحالات الحرجة والتى تكون فى بعض الأحيان بشكل يومى لا تجد غرفة عناية واحدة مركزة للأطفال.

الدكتور على يوسف استشارى الجراحة بمستشفى السويس العام قال إن المنظومة الصحية تفتقر للرؤية من حيث اختيار القيادات والكوادر الصحية بالوزارة والإدارات المحلية التى توضح الدعم المطلوب توفيره طبقا للاحتياجات المطلوبة والتى يجب أن تضع فى الاعتبار تجهيز الكوادر الطبية وتدريبها وتوفير الأبنية والأجهزة أيضا، والتى ينبغى أن تقوم بهذا الدور إدارة التخطيط فى وزارة الصحة وإدارات التخطيط المتابعة بمديريات الصحة بالمحافظات.

وأضاف «يوسف»: «مستشفى السويس العام به نحو 17 سرير عناية مركزة فقط، وهو عدد محدود جدا لا يتناسب مع المعايير الدولية حتى مع الدول التى تتماثل معنا فى معدلات النمو والناتج القومى الإجمالى ومعدلات المرض، ويجب علينا أن نعترف بأن قرار المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء السابق غير مفعل، والذى ينص على علاج المواطنين بالمجان على نفقة الدولة أول 24 ساعة بالمستشفيات الخاصة التى تضرب بهذا القرار عرض الحائط وترفض استقبال المرضى وعلاجهم على نفقة الدولة».

وأشار إلى أن هناك إحصائية أوضحت أن المواطنين ينفقون ما يقرب من 70% من تكلفة العلاج السنوى فى مصر، أى أن وزارة الصحة فى كل مستشفياتها تقوم بسداد 30% فقط من تكلفة العلاج للمواطنين.

من جانبه، قال الدكتور لطفى عبدالسميع، وكيل وزارة الصحة بالسويس، إنه جار التنسيق مع وزارة الصحة من أجل عمل وحدة عناية مركزة للأطفال بالمستشفى العام لعدم وجود غرفة عناية مركزة على مستوى المحافظة، وجار اختيار الكوادر وتدريبهم من أطباء وتمريض.

وأضاف «عبدالسميع» أن الوزارة توفر الدعم المطلوب، حيث قامت بتوفير جهازى أشعة رنين ومقطعية بتكلفة لا تقل عن 12 مليون جنيه سيتم تركيبهما خلال شهرين بمستشفى السويس العام، كما ستقوم الوزارة بتطوير ورفع كفاءة طوارئ مستشفى السويس العام وتطوير الجهاز الهضمى والكبد والمناظير لمستشفى الحميات بمبلغ 28 مليون جنيه. وأكد أن هناك غيابا لدور رجال الأعمال والمجتمع المدنى فى المشاركة الإيجابية فى دعم المستشفيات، حيث لا تشارك سوى شركة سوميد بالتنسيق مع المحافظ اللواء أحمد الهياتمى، والتى تبرعت بـ 250 ألف جنيه لتوفير وحدتى كلى صناعى وجهازى مراقبة مريض.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية