x

عبد الناصر سلامة مزيد من السجون.. خير يا رب عبد الناصر سلامة السبت 25-06-2016 22:17


بصراحة ومن الآخر، الإنجاز الواضح فى بر مصر منذ 25 يناير 2011 حتى الآن هو بناء هذا العدد الضخم من السجون، وصل عددها إلى تسعة، بخلاف ثلاثة أخرى تحت الإنشاء، جراب الحاوى كما هو واضح مازال به المزيد للأعوام القليلة المقبلة، لا توجد أرقام رسمية محددة لعدد المساجين فى بر المحروسة الآن، العدد يتزايد بصفة يومية، لا توجد أرقام محددة أيضاً لعدد المحبوسين احتياطياً، العدد يتزايد كل ساعة، أيضاً لا توجد أرقام محددة لمَن هم دون هؤلاء وأولئك من الذين تبحث عنهم عائلاتهم دون جدوى، التقارير الحقوقية تطلق عليهم تعبير «المختفين قسرياً».

أرقام غير رسمية تتحدث عن نحو 60 ألف مسجون بأحكام مختلفة، تتحدث عن نحو 80 ألف محبوس احتياطياً، تتحدث عن 1799 شخصاً أُحيلت أوراقهم إلى مفتى الجمهورية، لا نتحدث عن أعداد القتلى، ولا المصابين ولا المعوقين، بالتأكيد نحن هنا نتحدث عن حصيلة الأحداث التى تلت تاريخ 30 يونيو 2013، أى حصيلة ثلاثة أعوام، لا نعنى هنا أيضاً أصحاب القضايا التقليدية، أو القضايا الطبيعية، فقط نتحدث عن القضايا المرتبطة بأحداث ذلك التاريخ المثير للجدل.

قد تكون السجون الحالية مزدحمة بما فيه الكفاية، حسبما تتواتر المعلومات من داخلها، قد يتصور البعض أن الهدف هو تخفيف الأحمال عن السجون القائمة، إلا أن المخاوف منطقية أيضاً من أن يكون الهدف غير منطقى، وهو جمع مزيد من الناس، أو فتح مزيد من القضايا، أو زيادة أعداد المساجين أو المحبوسين إلى مليون شخص، حسبما اقترح أحد «الخوابير الاستراتيجيين» مؤخراً، كنت أتصور أنه سوف تصبح هناك نهضة فى بناء المدارس، تعليمية وعلمية، نهضة فى بناء المستشفيات، صحية وطبية، نهضة فى بناء القرى الذكية، علمية وتكنولوجية.

أعتقد أن تفكيرنا يجب أن يتجه إلى هذا المنحى، يجب أن يتجه إلى البناء والتقدم والتطور، بدلاً من مزيد من الخصومة، ومزيد من الثأر، ومزيد من الفعل ورد الفعل، يجب أن نتجه إلى حل مشاكلنا بطرق علمية وموضوعية، بدلا من تعقيدها إلى الحد الذى لا يُرجى برؤه، خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار أن الوطن فى حاجة إلى كل أبنائه، فى حاجة إلى اصطفاف، قبل أى شىء آخر، لم تكن زيادة أعداد المسجونين حلاً لأى مشكلة فى العالم، كما لم تمثل حالة الاستقطاب حلاً لأى أزمة.

هناك من الدول مَا نزلت بأعداد السجون لديها إلى أدنى حد، وهناك ما لم تعد لديها سجون أو مساجين، كان يجب أن يكون فى موقع كل سجن مدرسة، أو حديقة عامة، أو مشروع منتج، كان يجب الاستفادة من تلك الأموال التى يتم إنفاقها ليس على تشييد السجون فقط، وإنما على المساجين فيما بعد، على صيانة هذه الأبنية، على الحراس على مدار الساعة، على إدارة هذه السجون، على تكاليف إدارة هذه المحاكمات التى لا تنتهى، نقل المساجين، تأمينهم، تأمين المحاكمات، إلى غير ذلك من كثير.

هى تكاليف غير مسبوقة فى دولة تعانى وطأة الديون والاقتراض والإعانات، هذه هى الحقيقة التى يجب أن نعترف بها، لم نتحدث عن الأُسر المكلومة، الأطفال شبه اليتامى، المعاناة الحياتية لعشرات الآلاف، ومئات الآلاف من هذه الأُسر، لم نتحدث عن الخصومة مع المجتمع، التى تسببها مثل هذه الممارسات، لم نتحدث عن فقدان الاستقرار فى كل شىء تقريباً، فى الشارع، كما فى الاقتصاد، كما فى السياسة، كما فى الأجيال المقبلة.

لا أتصور أبداً أن استراتيجية أى دولة للمستقبل يمكن أن تقوم على مزيد من السجون، أو مزيد من المساجين، المفترض العكس تماماً، المفترض أنها تقوم على اختفاء السجون، على احتواء الناس حتى لا يصبحوا مساجين، وذلك بتأهيلهم وتوظيفهم، بدلاً من تصنيفهم مبكراً، مثلما حدث مع آلاف الطلاب الذين انتهى مستقبلهم الدراسى بين جدران هذا السجن أو ذاك، أو آلاف الصبية الذين فقدوا أى أمل لهم فى حياة أفضل.

منذ أن قرأت قبل أيام الموافقة على البدء فى إنشاء أحد السجون بمدينة العبور، وتحديداً فى المنطقة الصناعية، وأنا أردد: حسبى الله ونعم الوكيل، بدلاً من تشييد مصنع ضخم بالمنطقة الصناعية يجذب آلاف الشباب، اتجه التفكير لجذب آلاف المساجين، أى عقل يفكر، وأى استراتيجية للمستقبل يحملها لنا خبراء المرحلة، الذين أنشأوا من قبل السجن الأضخم فى مدينة جمصة، على ضفاف البحر المتوسط، بدلاً من إنشاء مدينة سياحية هناك.

بالتأكيد لن نفقد الأمل أبداً فى وجود العقل والضمير فى آن واحد، لذا سوف نظل نناشد هذا وذاك إعادة النظر فى هذه السياسات التى لن نجنى منها سوى الخراب والدمار، ولنقرأ تاريخ الأمم من حولنا، كان المواطنون يهرعون مع كل استفاقة إلى حيث هذا السجن أو ذاك، لهدمه بالمعاول، بمباركة النظام الجديد، لم تصمد السجون أبداً فى مواجهة حركة الجماهير، من أقصى الكرة الأرضية إلى أقصاها، ما علينا إلا أن نتعظ، ونتطلع إلى السماء: خير يا رب، رحمتك يا رب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية