x

درية شرف الدين خسارة كبيرة إن لم نبدأ درية شرف الدين الثلاثاء 21-06-2016 22:13


بعد أكثر من عشر سنوات جاءت صديقتى الفرنسية من جديد إلى مصر التى تعشقها، منعها من زيارتها ظروف عملها وترحالها الدائم، وكأن التاريخ يعيد نفسه معها ومعى، استيقظتْ فى الصباح الباكر كعادتها سحبت الجرائد اليومية، وهى لا تعرف العربية، نظرت إلى الصور الفوتوغرافية على الصفحات الأولى، أصيبت بالذعر والقلق وعدم الفهم فى آن واحد، الجميع يبكون، شباب فى أعمار صغيرة يبدو عليهم الحزن والكآبة، فتيات فى حالة انهيار، وما يبدو آباء وأمهات يشاركون أبناءهم وبناتهم نفس حالة الغضب، والدموع فى أعين الجميع، سألتْ ماذا يجرى؟ كارثة قومية؟ أجبت: بل امتحان نهاية المرحلة الثانوية، أما سبب البكاء فهو صعوبة الامتحانات التى تم تسريب معظمها مع أجوبتها، بما يعنى ضياع فرص المتفوقين ومساواتهم بالجهلاء والسارقين. سألتنى فى براءة: لقد لاحظت نفس المشهد ولنفس السبب هنا فى مصر عندما جئت إليها منذ أكثر من عشر سنوات، فلماذا لم ينصلح الحال منذ ذلك الوقت؟ أجبتها بأن فترة العشر سنوات عندنا لا تساوى مقدارها بالمقياس الأوروبى عندكم، هى لحظة فى عمر الزمن الممتد معنا منذ آلاف السنين، أما عندكم فهى أشهر وساعات ودقائق، بل وثوانٍ لها قيمتها، بالنا طويل ونرى فى الإعادة إفادة، وأن فى العجلة الندامة، لذا نميل إلى التريث والتأنى حتى تستقر المشكلة وتتوطن وتبدو بلا حل فنستريح إلى هذا اللا حل، لكن لا مانع لدينا من تكرار الشكوى والأنين كل سنة وفى نفس الموعد لا نخلفه ولا ننساه، ثم تنسحب الشكوى وتجف الدموع وننسى الموضوع ويظل مكمورا مصونا إلى سنة قادمة، فإذا جئتِ فى نفس الموعد فلن نخلف وعدنا، وتبدأ كل مفردات تلك المسرحية الهزلية من جديد وكأنها جديدة، وكأننا لم نرها من قبل، وكأنها فاجأتنا، ويظل كابوس الثانوية العامة- كما سماه الدكتور أحمد عكاشة- على حاله، حالة مستديمة أو عادة مستديمة.

أدركت صديقتى الفرنسية أننى أتألم وأسخر فى نفس الوقت من توطن مشاكلنا مع أن أبواب حلولها مفتوحة، قد تكون صعبة لكنها ليست مستحيلة، نظام دراسى ثبت فشله منذ أكثر من ثلاثين سنة فلماذا نُبقى عليه؟ مدرسة فقدت معناها ومحتواها، ومناهج أكل عليها الدهر وشرب، وتلاميذ أورثناهم الجهل والأمية، بُحت الأصوات التى تطالب بأن يكون إصلاح التعليم فى مصر هو البداية والنهاية ولكن لا مجيب، اكتسبنا قيمتنا وقدرنا فى منطقتنا زمان من مستوى تعليمنا وثقافتنا فلنستردها بهما.

إن لم يكن إصلاح حال التعليم فى مصر فى مقدمة أولوياتنا كمشروع قومى لبناء الإنسان له بداية ونهاية معلومة ومعروفة وله منهج وخطة عمل ووعى بتجارب الآخرين فسنخسر كثيرا، وسنظل ندور فى نفس تلك الدائرة المغلقة، خسارة كبيرة إن لم نتنبه، وخسارة كبيرة إن لم نبدأ.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية