x

درية شرف الدين الجنيه النفسى درية شرف الدين الثلاثاء 31-05-2016 21:56


كرهت هذا الجنيه المعدنى منذ أن ظهر، اعتبرته من البداية قرشا وسميته كذلك، ألقيته فى أركان حقائبى وأدراجى دون عناية أو حرص، واعتبرت الجنيه المعدنى إهانة للجنيه المصرى الذى كانت له شنّة ورنة تحول إلى مجرد فكّة، مجرد كَسْر ثقيل الوزن قليل القيمة، قد لا يكون ذلك تفكيرا منطقيا أو عاقلاً فكم من بلاد جنيهاتها معدنية لسنا الأوائل أو المبتدعين هذا صحيح، لكن ذلك الجنيه الورقى كان بيننا فى يوم من الأيام ذا مهابة واحترام وقيمة، كان المصروف زمان بالقرش وكان الوصول إلى مائة من القروش أى إلى الجنيه حدثا يستدعى الاحتفال بالجنيه وبالحصاّلة التى تحتويه، كنت أذهب إلى سينما مترو بالإسكندرية كل يوم أحد لمشاهدة أفلام توم وجيرى بثلاثة قروش كاملة ثمن التذكرة ومعها باكو بسكويت إيكا وزجاجة سينالكو صغيرة، كل ذلك بثلاثة قروش، أصل إلى محطة الرمل بالترام بالدور العلوى بقرش صاغ وأعود بالآخر وكان الكلوكلو جديدا فى عالم الجيلاتى بقرشين كاملين، سبعة قروش كاملة هى فسحة يوم الأحد وبقية العشرة أُمسك بها بيدى بكل حرص واهتمام، كان الجنيه للكبار فقط واستمد احترامه منه ومنهم وعندما تحولّ إلى قرش معدنى حزنت ولملمت بقاياه من الجنيهات الورقية وأودعتها مكانا أمينا حتى لا تضيع ذكراه هى الأخرى.

لذا فإن من يتحدثون الآن عن التأثير النفسى لعودة الجنيه الورقى إلى مجال التداول النقدى فى مصر، هذا التأثير الذى يرونه جيداً فإننى أراه معهم كذلك، وإن كان واقعيا له غرض آخر، ذلك أن ثقل الجنيه المعدنى وصعوبة حمل عدد كبير منه دفع كثيرين إلى استغلال هذا الوضع الجديد فى إلغاء التعامل بكسر الجنيه بل وبالجنيه كاملا من جانب مقدمى الخدمة، حدث ذلك فى وسائل المواصلات الخاصة كالتاكسى والميكروباص، وحتى التوكتوك، حدث ويحدث فى محلات البقالة وعند بائعى الفاكهة وبائعى الخبز والفول والطعمية كسر الجنيه لم يعد يَعود الى المشترين خاصة الفقراء منهم وكان البديل رفع الكسر إلى الجنيه الكامل والفرق يذهب دائما إلى البائع، ولنا أن نتصور شخصا فقيرا يفقد يوميا، ومع كل معاملة، عددا من كسور الجنيه أى العديد من الجنيهات فى الشهر الواحد مما يُشكل عبئا ثقيلا عليه وانتقاصا غير مبرر من دخله المحدود أصلاً لصالح انتهازيين يتعللون دائما بعدم وجود فكة لديهم، عاد الجنيه الورقى الخفيف الوزن وكسوره وزالت حجة عدم وجوده لثقل وزنه ويبقى التنبيه بضرورة الحفاظ على الجنيه الورقى القديم وفئاته الصغيرة من التلوث والكتابة والطى والبهدلة من جانب المواطنين حتى يبقى نظيفا قابلا للتداول وأتصور صدور قرار بعدم قبوله فى المعاملات الحكومية إن كان مُشوها بأى صورة فربما ساهم ذلك فى تعلم كيفية الحفاظ عليه.

أما الجنيهات المعدنية فأتصور أن العديد منها سيذهب إلى المسابك التى تقوم منذ فترة ليست بالقصيرة بصهره وتحويله إلى منتجات معدنية أخرى وترى فى قيمته المعدنية هذه ثمنا أعلى من قيمته الشرائية، تقول القاعدة الاقتصادية أن العملة الرديئة تطرد الجيدة من التداول، العملة الفضية ــ التى كانت ــ ذات العشرة قروش مثلا كانت قيمتها كفضة تساوى قيمتها الشرائية كعشرة قروش فاحتفظ بها الناس وعندما زاد ثمن الفضة بها عن قيمتها الشرائية وجدت طريقها إلى الاختفاء من الأسواق وذهبت إلى المسابك وإلى جامعى العملات المعدنية فى أفضل الأحوال، فهل سيحدث ذلك مع الجنية المعدنى الحالى؟ ربما.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية