x

خالد وصيف الرى فن وهندسة خالد وصيف الأربعاء 15-06-2016 22:29


لم أجد أفضل من تعبير الفن والهندسة الكروى لوصف عملية الرى في مصر، والذى بدا معناه واضحا ونحن نواجه مشكلات كبيرة في إدارة وتوزيع المياه لأول مرة منذ سنوات طويلة استفاض كثير من الخبراء في شرح وتوضيح أسباب أزمة المياه هذا الصيف، والتى ضربت بقسوة كل المحافظات المصرية، أسباب تتعلق بالتوسع في مساحات الأرز، وانخفاض الفيضان الآتى من هضبة الحبشة، وأسباب أخرى تتعلق بالتنسيق بين وزارتى الرى والزراعة.

ولعلى من واقع خبرة عملية أضيف سببا آخر يتعلق بغياب الفن والهندسة عن مدرسة الرى المصرية العريقة مدرسة الرى في مصر لها جذور تاريخية، نشأت وتراكمت خبراتها مع بدء شق شبكة الترع التي أقامها الوالى العظيم محمد على وخلفاؤه، في القرن الثامن عشر.

شبكة ضخمة تتجاوز أطوالها 50 ألف كيلومتر، منها 35 ألف كيلومتر ترعا رئيسية وفرعية، و15 ألف كيلومتر من المصارف الزراعية التي تستقبل المياه بعد استخدامها في الرى الحقلى، بالاضافة إلى 100 ألف مسقى خصوصية توصل المياه من الترعة إلى أرض المزارع، هذه الشبكة اعتمدت في إدارتها على المدرسة الفرنسية في الرى، بعد عودة المهندسين المصريين ضمن البعثات الأولى التي أرسلها محمد على للدراسة في باريس، وبعد عودتهم أصبحوا هم الآباء الأوائل لتعليم الهندسة للمصريين من خلال مدرسة المهندسخانة التي افتتحها محمد على باشا بمنطقة بولاق. ثم تطورت تلك المرسة بعد الاحتلال البريطانى لمصر عام 1882 والذى أبدى اهتماما خاصا بإدارة المياه لتوفير مياه لزراعات القطن التي كان في حاجة لها لتشغيل مصانع النسيج في إنجلترا. وضع الإنجليز قواعد تشغيل وإدارة المياه كما اهتموا بترتيب مناوبات الرى بين الترع المختلفة. وأقاموا مبانى ومنشآت الرى التي مازالت قائمة في كل المحافظات المصرية وعلى ضفاف الترع الرئيسية التي تشق مدنها وقراها. وهو نفس الاهتمام الذي أبدوه أيضا بتأمين تدفقات المياه الواردة من أعالى النيل من خلال عقد اتفاقيات مع دول حوض النيل مثل إثيوبيا والسودان وأوغندا.

هندسة الرى اعتمدت على تطهير الترع وتدعيم الجسور والاستعداد لموسم الفيضان الصيفى الذي كان يغمر أراضى الوادى والدلتا مرة واحدة في العام، وبالتالى تتم زراعة الأرض بمحصول صيفى واحد فقط. وبعد موسم الفيضان تجرى الاستعدادات لتطهير الترع من الإطماء الذي حدث لها نتيجة الغرين الذي كانت تحمله مياه الفيضان.

بعد بناء السد العالى انتهت مشكلة الفيضان بشكل عملى، وتعقدت هندسة الرى في مصر، لتتحول إلى منظومة تعتمد على ثلاثة محاور: كمية مياه، وتوقيت، وعنصر بشرى يتدخل بالإدارة والتوزيع. وأى خلل في المنظومة يؤدى إلى اضطراب في إدارة المياه، فالماء يقطع رحلة تستغرق أسبوعين من بحيرة ناصر وحتى شمال الدلتا، وتجلى الفن ليضبط موعد وصول المياه مع موعد الاحتياج لها، لأنها لو وصلت قبل توقيت احتياجها أو بعده، فسوف تمر بدون استخدام وتأخذ طريقها للمصارف الزراعية ثم إلى البحر المتوسط لنفقدها للأبد.

وظهر الإبداع المصرى في هندسة الرى في التوازن بين الاحتياج والإمداد، من خلال تجديد سلسلة القناطر على النيل وغصلاح بوابات أفمام الترع، وإجراء التطهيرات للترع في الوقت المناسب الفن والهندسة قاما على أكتاف عنصر بشرى كفء شرب الصنعة وأتقن أداءها، من أول البحارى الذي لا يعرف القراءة أو الكتابة لكنه يعرف متى يفتح بوابة الترعة وبأى منسوب ومتى يغلقها بإحكام، مرورا بمهندس الرى صاحب الامر والنهى في توزيع المياه بالتفتيش الذي يشرف عليه، يطبق المناوبات بإحكام ويوزع المياه بين الناس بالعدل والمساواة نفتقد الآن العنصر البشرى الذي يدير المياه بفن وهندسة، فالجيل القديم من البحارة احيل للمعاش، وحل محله شباب جديد حاصل متعلم لكنه يرغب في الجلوس على مكتب هربا من العمل الميدانى، والمرتبات الضعيفة جعلت شباب المهندسين بوزارة الرى يلهث للحصول على إجازة للعمل بالخارج، أو يضطر أن يعمل بعد الظهر عملا إضافيا يستهلك مجهوده. وحينما لا تتعدى العمالة الفنية بكل تخصصاتها 10% من إجمالى العاملين بوزارة الرى فتكون النتيجة الطبيعية أداء فقيرا متواضعا بدون إبداع.

* رئيس قطاع بوزارة الموارد المائية والرى

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية