مازال الكثير لا يعرفون حقيقة الأضرحة والمقامات التى تنتشر فى واحات الوادى الجديد، نظرا لتهميش دور الواحات فى العصور القديمة، بالإضافة إلى موقعها الجغرافى فى الصحراء الغربية واختفاء الكثير منها وسط رمال الصحراء منذ مئات السنين بسبب التغيرات البيئية والمناخية بالواحات.
ويوجد فى الواحات العديد من المقامات والأضرحة لعدد من الشيوخ والعلماء، والتى ذاعت شهرتها بدرجة كبيرة مما جعلها مقصدا للزائرين، ومكانا لإقامة الموالد وحلقات الذكر والحضرة.
وقال إبراهيم خليل، الباحث فى تراث الواحات، إن زيارة الأضرحة والمقامات من العادات التى وفدت على أهل الواحات، وأغلبها جاء عن طريق الحركة السنوسية الليبية منذ القدم، حيث تمركز عدد من مشايخ ليبيا بمناطق عدة بواحة الداخلة، وإنه مازال لهم فروع فى مطروح، وعدد من قرى الوادى الجديد مثل أسمنت، وعلوان، وتنيده، والحيمر، مشيرا إلى أنه يوجد فى أسمنت أكثر من ضريح للشيخ السنوسى السمالوسى من قبيلة سمالوس بليبيا، ويقام له مولد كل عام.
وأضاف أن عادات زيارة الأضرحة بالواحات نشطت بشكل كبير فى بداية الستينيات مع عملية إنشاء قرى التهجير التى سكنها أهالى محافظات الصعيد، خلال فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذى أنشأ هذه القرى، حيث حمل أهالى هذه المحافظات عادات زيارة الأضرحة والمقامات من مجتمعاتهم بالصعيد إلى الواحات.
وأوضح «خليل» أن الضريح هو ساحة حول قبر الشيخ، ويقام له موالد وزيارات، بينما القبة هى قبر فقط، مبنى بنظام القباب، ولا يقام له مولد أو حلقات ذكر، وأشهر القباب فى الواحات هى قباب الشيخ منصور والشيخ ميمون والشيخ عبدالله والشيخ عتمان والشيخ أحمد حنفى.
ومن أشهر الأضرحة ضريح الشيخ صبيح والشيخ سعيد والأمير خالد والشيخ السنوسى والشيخ البشندى، إلا أن أكثر هذه الأضرحة من حيث الزيارات وإقامة الموالد ضريحا الشيخ صبيح والشيخ سعيد.
وأضاف يوسف عبدالله، الباحث فى تراث الواحات، أنه منذ نشأته وسط أهله وأجداده، وهم يزورون ويتباركون بضريح الشيخ صبيح، مشيرا إلى أنه منذ الصغر تعود أن يذهب معهم فى وقفة عيد الأضحى ويذبحون الأضحية بجواره ويوزعونها على الأهالى والفقراء.
وأشار إلى أنه لا أحد يعلم حتى الآن عن حقيقة ما إذا كان جسد الشيخ صبيح مدفونا داخل هذا الضريح من عدمه، مشيرا إلى أنه ولى من أولياء الله الصالحين، وأن الولى له أربعون علامة ومن الممكن أن يكون الضريح إحدى هذه العلامات، مؤكدا أن هذا الضريح بناه شخص رأى رؤية لـ«الشيخ صبيح» فى المنام، وكل ما علمه من أجداده السابقين أن الشيخ صبيح رجل صالح جاء إلى مصر لتعليم الناس أمور دينهم.
وأكد أن عمر الضريح أكثر من 400 عام، وهناك أوراق وحجج للأراضى الزراعية منذ مئات السنين ذكر فيها الضريح كعلامة لحدود أطيان وزروع، وهو ما يؤكد أثريته وتاريخه، لافتا إلى أن الضريح كان عبارة عن حجرة صغيرة من الطوب اللبن مدعومة بباب من الصفيح إلا أن الرمل غطاها تماما مع مرور الزمن.
وأضاف عبدالله أن أحد المواطنين تبرع بتجديد الضريح فى نفس المكان وبناه على شكل حجرة كبيرة، وعمل على تعمير المنطقة المحيطة به، وكان ذلك فى عام 1996 ومن هنا بدأ الناس يتوافدون عليه وتنظم به حضرات الذكر، كما أكد أن عددا كبيرا من المترددين على المكان رأوه فى المنام.
واهتم عدد من محافظى الوادى الجديد السابقين بضريح «الشيخ صبيح»، حيث قام اللواء محمد عزت السيد، محافظ الوادى الجديد الأسبق، بزيارة الضريح أكثر من مرة وأمر بتدعيمه بالكهرباء، وكان ذلك فى منتصف التسعينيات، وكان مهتما به وساهم فى إنشاء مسجد بجوار الضريح سمى بمسجد الشيخ صبيح، كما زار اللواء سلمى سليم محافظ الوادى الجديد الأسبق الضريح أيضا، وطلب من أحد المقاولين استكمال السقف الخاص به وبناءه.
وانتشرت العديد من القصص والروايات التى ارتبطت بهذا الضريح والتى مازالت عالقة فى أذهان أهالى الواحات، ومن أشهر قصص وحكايات المكان أنه فى عام 1940 تقريبا صعد أحد اللصوص إحدى أشجار النخيل القريبة من الضريح لسرقة ثمار البلح وعند نزوله التصق بها، وكان ذلك بالليل وظل هكذا حتى الصباح، ورآه الناس وافتضح أمره وكانت هذه أشهر رواية.
كما روى أن عددا من الأهالى شاهدوا رجلا أكثر من مرة وبيده فانوسا مضيئا بجوار شجر النخيل المحيط بالضريح، وكان ذلك فى أوائل القرن الماضى، قبل توصيل الكهرباء إلى المكان، وكان يقال إن هذا الشخص هو الشيخ صبيح وكأنه يحرس ضريحه.
ويحكى أن سيدة «لعنت» الضريح، وبعدها بفترة أرادت أن تتبرك به فسقطت عند مدخله وأخذت تبكى وقرأت الفاتحة له، وهناك قصص أخرى رواها الأجداد وتناقلتها الأجيال وما زال سكان الواحات يتذكرونها ويجددونها بين الحين والآخر.
ويحتفظ ضريح «الشيخ صبيح» بمكانة خاصة لدى الأهالى، حيث تزور العرائس المكان قبل بدء زفافهن وذلك تبركا بالضريح، كما أن الآباء يأتون بأطفالهم المرضى ليتبركوا بالضريح.
أما عن ضريح «الشيخ سعيد»، فيؤكد عدد كبير من أهالى الواحات أن الضريح لرجل من السودان عاش فى الواحات وجاء إليها مع القوافل المارة بطريق درب الأربعين واستقر بمدينة الخارجة، وكان يعمل خادما عند عائلة، وأنه كان رجلا صالحا ولم يتزوج وكان بيته مفتوحا للغرباء واشتهر بكرمه وضيافته، ورآه الكثير فى أحلامهم خاصة الذين يخدمون حاليا ضريحه ويتولون إقامة الحضرات وليالى الذكر.
ومن أشهر الروايات الخاصة بهذا الضريح أنه قديما كانت هناك عين ماء جارية به تسمى بـ«الخرشوبة» أو «عين سعيد»، وكان الرجال والأمهات يأتون بأطفالهم المرضى ويضعونهم فيها لكى يشفوا.