فى ليلة امتحان طلاب الثانوية العامة إما أن يُكرم الأهالى ويُعزَّزوا فى بيوتهم، أو يدوروا بأبنائهم على مراكز الدروس الخصوصة من أجل الوصول إلى «مفاتيح الامتحان».. بعضهم يحددون مسبقاً أستاذاً معيناً يتفقون معه على مراجعة ليلة الامتحان، أما الآخرون- وهم كثيرون- فبمجرد أن يسمعوا أن هناك أستاذاً بعينه فى منطقة بعينها قد تكون لديه خبرة أو معلومات عن أسئلة الامتحان يسرع الأب أو الأم بصحبة الطالب أو الطالبة، أملاً فى حجز مراجعة حصة ما قبل الامتحان.
أما عن المواعيد فلا تهم الطلبة أو أهاليهم، لدرجة أن بعضهم ينزلون بأبنائهم فى الفجر وقبل ساعات قليلة من الامتحان، من أجل حضور حصة المراجعة التى ينظمها المدرسون. «المصرى اليوم» رصدت فى السطور التالية متاعب الأهالى وأبنائهم فى مراكز الدروس الخصوصية ليلة الامتحان.
قبل موعد الحصة بعشر دقائق كاملة، كانت قد بدأت بضع طالبات فى التوافد على المركز التعليمى الأشهر فى منطقة الزيتون، ولأن الوقت ما بين رفع أذان المغرب وموعد الحصة لم يكن كافياً لإتمام الطقوس الرمضانية الاعتيادية، فإن بعضهن كُنَّ قد حضرن متعجِّلات بعد أن جلبن طعام فطورهن معهن، أو على الأقل طعام حصة الحلوى لتناولها فى ساحة «السنتر»، بعد أن اطمأنت قلوبهن أنْ سبقن الأستاذ المعروف إلى المركز التعليمى، وضمنَّ لأنفسهن موقعاً فى صفوف حصته المكتظة للمراجعة النهائية.
«إنتى أول مرة تحضرى مع الأستاذ؟»، للمرة الثانية يتكرر السؤال مع محررة «المصرى اليوم» التى ذهبت لتعايش حصة مراجعة الامتحان لمادة علم النفس، هذه المرة بطريقة أكثر إجرائية، لتسجيل الاسم وتحضير المذكرات اللازمة والتواصل مع طاقم مساعدى الأستاذ المرموق لمعرفة إمكانية حضور طالبة لأول مرة فى مراجعة ليلة الامتحان، والذى لا يقبل أن تشتمل صفوف مراجعته النهائية إلا على «أولاد المستر» الذين يلتزمون فى الحضور معه من بداية العام، فيما كانت المرة الأولى على التليفون أكثر ملحمية، ووعد فيها الموظف المسؤول عن المركز التعليمى بالتوسط لدى مساعدى الأستاذ، وحضور الطالبة عثرة الحظ، إذ لم تدرك العام من بدايته مع الأستاذ، كما لم تدرك مراجعات ليالى الامتحان معه من بدايتها.
كانت الساعة قد بلغت الثامنة، ومعدل الحضور لا ينم عن أن القاعة بأى شكل ستمتلئ عن آخرها كما هو متوقع فى حصص أستاذ الفلسفة وعلم النفس المرموق لليالى الامتحان، والتى تحرص صفحته الرسمية على فيس بوك على رفع صورها بشكل دورى للإبقاء على صورة ذهنية للمتابعين عن لطف الأستاذ وتباسطه مع طلبته، فضلاً عن خفة ظل الحصة على قلب طالب الثانوية العامة المثقل.. تقترح طالبة: «المستر ممكن ييجى تسعة»، ثم تعلل الأمر بأنه يأتى من حلوان خصيصاً لطلبة مصر الجديدة والزيتون، الأمر الذى يجعل تعثره فى أزمة مرورية من شأنها أن تؤخره عن الموعد المربوط للحصة أمراً وارداً، بل معتاداً.
خمسون جنيهاً هو سعر الجزء الثانى من مراجعة ليلة الامتحان فى المركز التعليمى الشهير، دفعتها الطالبات للموظف المسؤول فى المركز، فى حين يتأكد أن كل طالبة لديها استمارة حجز حصص مراجعات ليلة الامتحان، أما أولئك الذين يحضرون للمرة الأولى فسجّلهم فى كشف جانبى لحين حضور الأستاذ ومساعديه للبت فى أمرهم، فيما أعطى كل منهم بطاقة سوداء يستطيع بها المرور إلى القاعة، وتُساعد الموظفين والمساعدين فى حصر عدد الطلاب الحاضرين.
فى الثامنة والنصف، كان نصف القاعة قد امتلأ، فيما تبادلت طالبات أحاديث باسمة عن امتحان الإحصاء، وعن شاومينج، حينما أثارت طالبة انضمت إلى الحديث متأخراً سؤالاً تحفّظت طالبات عليه: «إحنا جايين الحصة ليه وكده كده المستر مش عارف الامتحان اللى هنمتحنه؟»، لتُردِف فيما بعد: «بما إن الامتحانات بتتسرب؛ فإحنا كده هنمتحن النموذج التالت المطبوع على الورقة الصفراء، والمستر أكيد مايعرفش فيها إيه»، تثير الملحوظة قلق طالبات غير أنهن يجتمعن على أن إحداهن لن تستطيع أن تواجه الأستاذ بالتساؤل، لتتشجع الطالبة «أنا هسأله».
فى تمام التاسعة، كانت القاعة قد اكتظّت تماماً بالحضور، سبق الأستاذ إلى القاعة أحد المساعدين، أدار شاشة العرض على السبورة البيضاء، التى ستبث صورة الأستاذ لثلث القاعة الذى لا يواجهه، يشى حديث جانبى مع طالبة حضرت إلى الحصة متأخراً بتوقعات بعض الطلاب عن قدرات حصة المراجعة النهائية الخارقة فى مواجهة بُعبُع الامتحان، تقول الطالبة: «أول مرة أحضر مع المستر، طول السنة بحضر مع أستاذ تانى، بيشرَح كويس، إنما المستر ده بيقولوا إنه بيدّى مفاتيح الامتحان»، تفتح الطالبة المُذكرة ذات الوريقات التى لا تتعدى العشرين، فيتهلل وجهها للكبسولة المكثفة التى حصلت عليها أخيراً لمنهج علم النفس الذى لا تمتلك سُلطاناً عليه.
وعلى طريقة الشيخ البعيد صاحب السر النافذ، توافق طالباتٌ طالبةَ «مفاتيح الامتحان» الرأى، مؤكدات قدرة ومهارة الأستاذ بأماكن سكنهن المتطرفة التى قطعن الطريق منها إلى المركز التعليمى البعيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مع الأستاذ ذائع الصيت، فى حين يقطع الأستاذ أخيراً الأحاديث الجانبية الدائرة فى القاعة، بعد أن شغل السبورة جميعها بخطّ مُتعجّل بتصوُّره عن «مواصفات الورقة الامتحانية»، وبالتالى خريطة الساعات الثلاث القادمة الفارقة من عُمر الثلاثمائة طالب وطالبة تقريباً الذين اصطفوا على المدرجات منتبهين لما سيقول.
يدخل الأستاذ فى صلب موضوع الحصة بسرعة، غير أنه لا يدخر استهلالة الحصة لتفنيد بلبلة تسريب الامتحان بأسلوب منطقى من جنس مادته، محذراً طلابه من إرهاف السمع لشبكة الإنترنت وصفحات التسريب، مطالباً إياهم بديلاً عن ذلك بالتركيز فى المراجعات، فيما يوجه طلبته أخيراً إلى اختبار بسيط لصدق أى امتحان مُسرَّب: «لو لقيت السؤال الأول فى الإجبارى مش عن الشخصية، والسؤال الأخير فى تعيين العبارات الصحيحة والخاطئة عن الشائعات، اعرف إنه امتحان مُزوّر، أو قديم؛ لأن دى مش مواصفات الورقة الامتحانية»، فيما يترك الحديث عن «شاومينج» مؤقتاً ليعود إليه على فقرات متقاربة على مدار الحصة. على لحن بسيط موحد مقتبس من أرتام التشجيع فى المدرجات الكروية، ويحفظه الطلاب الملتزمون فى الحضور مع الأستاذ جيداً، يبدأ الأستاذ فى تلاوة الأسئلة، فيما يردد الطلاب خلفه فى كورال محفوظة أدواره بشكل ضمنى أسس الاستذكار الفعَّال، وميكانيزمات الدفاع النفسيَّة، ودور الوراثة فى الفروق الفردية، ومكونات الشخصية عند فرويد، وغيرها من دروس منهج علم النفس للثانوية العامة، وفقاً لأولويتها لدى واضِع الامتحان، حسبما يرى الأستاذ، لينتقل فجأة ما بين اللحن الحماسى إلى أداء مسرحى مُرتجَل ورصين، ينجَح فى إنعاش انتباه الطلاب. يحلل المدرس بدقة كل المعطيات المتاحة له مشركاً الطلاب فى هذا التحليل على مدار الحصة للوصول للصيغة الأقرب من التوقعات الامتحانية للواقع، فيما يتحدى أن يقدِّم أى أستاذ من مشاهير الثانوية العامة تصوراً بهذه الدقة، معيناً أسماء بعينها ممن يعرفهم الطلاب جيداً، وتربطهم بالمدرس علاقات صداقة وطيدة، الأمر الذى لا يمنع أن يصرح بتفوقه عليهم فى توقع أسئلة الامتحان، ليعزز ثقة طلابه فيه بوعدٍ قاطع أخيراً «والنعمة لتتخضوا أول ماتشوفوا ورقة الامتحان، وتقولوا الراجل ده سرَّب الامتحان، ولو ماحصلش مش هاجى أراجعلكم فلسفة»، مشيراً إلى موعد الحصة التالية قبل حلول نهاية الأسبوع السابقة على امتحان مادة الفلسفة والمنطق. لا يمر اللقاء النهائى بين أستاذ علم النفس والفلسفة وطلابه، المشوب بمزيد توتر، دون تمرير بضع نكات مازحة تخفف من حدة قلق الطلاب، والذى يعقد قبل الامتحان بيومين، فى تحرُّر من تقليد «ليلة الامتحان» لارتباط المدرس بمراجعات أخرى فى أماكن أخرى تباعاً حتى ليلة الامتحان، فى جدول مزدحم للأستاذ ذائع الصيت، فى حين يطمئن طلابه المسرفين فى القلق بهاتفه المتاح حتى لحظة دخولهم الامتحان، وصفحته على فيس بوك المطبوع اسمها فى نهاية مذكرة المراجعة، والتى يتواصل ويرد عبرها على أسئلة طلابه حتى الفجر، لتنتهى الحصة مع دقات الحادية عشرة، فيما تلتف مجموعات من الطلبة حول الأستاذ لالتقاط صورة تذكارية بطريقة «السيلفى». على باب المركز التعليمى يصطف أولياء الأمور على مصاطب مُعدَّة للانتظار عندما تتأخر المحاضرة لهذا الحد، ويصبح خطيراً أن تترجل الفتيات وحدهن إلى منازلهن وقتها، يصرف الأستاذ طالباته بشىء من الحزم «اخرجوا لحسن أهاليكم يشنقونى»، مشيراً للساعة المتأخرة التى انتهت فيها الحصة، فيما قد يحمل أهالى الطلاب مصدراً آخر للحنق على حصص المراجعات النهائية، تتمثل فى تسعيرتها.
يتراوح سعر حصة المادة الواحدة فى مجموعة المواد الأدبية، حسب أحد العاملين فى مركز تعليمى شهير بمصر الجديدة، ما بين 35 و50 جنيهاً، ويتوقف سعر حصة مراجعة ليلة الامتحان على مدى شهرة مدرس المادة، وإقبال الطلاب على حضور حصته، حيث يحدد المدرس وفريقه قيمة حصة المراجعة، فيما يدفع للمركز التعليمى رسوم استئجار القاعة التى تتراوح ما بين 5 و10 جنيهات على كل طالب، حسب عامل آخر فى مركز تعليمى آخر.
تختلف طبيعة المواد العلمية عن المواد الأدبية، وبالتالى شكل مراجعات ليلة الامتحان، ففى حين يصح أن يتم الانتهاء من المادة الأدبية فى حصة واحدة تتطلب طبيعة المواد العلمية التى تحتاج للمراجعة النظرية والتطبيق العملى، ليظهر مصطلح متعارف عليه فى أوساط الطلبة هو «ليالى الامتحان»، حيث تتم مراجعة المادة على أكثر من ليلة، قد تمتد لثلاث ليالٍ، حسب أحد العاملين فى مركز تعليمى بمنطقة روكسى.
يختلف الأمر بالنسبة للمواد العلمية فى أحد المراكز التعليمية الموجودة بمنطقة الجيزة، حيث يقول أحد العاملين بالمركز إن سعر حصة مراجعة ليلة الامتحان لمادة الأحياء ومادة الجيولوجيا وعلوم البيئة ثابت ولا يتعدى 35 جنيهاً لحصة مراجعة ليلة الامتحان الوحيدة، التى تشمل مذكرات المراجعة النهائية. أمام أحد المعاهد الأزهرية بالجيزة لاحظ أهالى شارع أحمد لطفى السيد تجمعاً حاشداً للأهالى فى الرابعة فجراً، وعرفوا بعدها أن مدرساً شهيراً يؤدى مراجعة مادة الفيزياء قبل ساعات من بدء الامتحان، الأهالى ينتظرون فى الشارع ولم يكن النهار قد ظهر نوره بعد. أكثر من 3 آلاف طالب وطالبة داخل «حوش» المعهد، مساعدو المدرس يجهزون المعدات الفنية لبدء الحصة، أما مسؤول الأمن فيجمع من كل طالب أو طالبة مبلغ 100 جنيه قبل أن تتخطى قدمه باب المعهد وهى قيمة المراجعة. وعندما سألنا الطلبة والأهالى عن سبب هذا الزحام لدى هذا المدرس فقالوا: «دائماً ما يقول إنه هو اللى بيحط الامتحان، وإحنا بنجرى ورا أى شىء يساعدنا».
وبحسب ما سمعنا من المدرس «أ.ع»، وهو يتحدث مع الأهالى عقب انتهاء الحصة، فى محاولة لطمأنتهم، كان يتباهى قائلاً: «لا تخافوا، إحنا اللى بنحط الامتحان»، وسرعان ما استأذن بالانصراف من وسط الأهالى قائلاً: «أنا لازم أمشى، فيه طلبة تانيين لازم أراجع معاهم». فى مدينة نصر، أسس أحد مدرسى الفيزياء باللغة الإنجليزية مركزاً مستقلاً لتوفير حصص الفيزياء للطلاب، وفى حين لا يتاح لطلاب من غير الملتزمين بحضور الحصص الأسبوعية والامتحانات الدورية حضور حصص المراجعات النهائية، التى يتم الحجز لها مبكراً من شهرى إبريل ومايو، تُعرض بعض حصص المراجعة المصورة بطريقة الفيديو لنفس المدرس، «بناءً على رغبة الطلاب»، حسب إعلان منشور على الصفحة الرسمية للمدرسة التى دشنها المدرس.
مديرية التربية والتعليم بمحافظة الغربية دخلت عالم مراجعات ليلة الامتحان، حيث أعلنت على صفحتها الرسمية عن جدول مراجعات فى جميع مواد الثانوية العامة، يحاضر فيها مدرسون أوائل من المديرية التعليمية، برعاية من وكيل وزارة التربية والتعليم بالغربية، الأستاذة فريدة مجاهد، لتقدم محاضرة المراجعة النهائية لمادة اللغة العربية خارج سياق المراكز التعليمية، وإنما فى قاعة التدريب عن بعد فى مبنى الوزارة، فيما علق أحد المتابعين لصفحة العلاقات العام لمديرية التربية والتعليم التى استعرضت المحاضرة بأن الأعداد فى المراكز التعليمية تكون أكثر بكثير من الذين أتيح لهم الحضور فى مركز التعليم عن بعد.
ماجدة أحمد، مدرسة لغة إنجليزية بوزارة التربية والتعليم، تتحدث عن جدوى حصص المراجعات النهائية، فتقول إن حصص مراجعات ليلة الامتحان التى يحضرها الطلاب أغلب التعويل عليها نفسى وليس تعليمياً، فالطالب غالباً ما يود أن يحضر حصة المراجعة النهائية ليطمئن أن كل شىء على ما يرام، فى حين قد يقرر الطالب المتفوق ألا يحضر مثل هذه المحاضرات، «البنت الشاطرة نقولها ماتراجعش، إنما منها للكتاب»، على حد تعبير ماجدة. تستبعد ماجدة أن يستطيع الطالب التحصيل وسط العدد العملاق الذى يحضر حصص المراجعات فى المراكز التعليمية الخاصة، إلا فى حالة استثنائية واحدة، هى أن يكون المدرس لديه من قوة الشخصية ما يسمح له بالسيطرة على الأعداد الكبيرة.
تشرح ماجدة، من وجهة نظرها كمدرسة وأم، الطريقة التى يحوز بها المدرسون هذه الشهرة، حيث يعقد بعض الأساتذة لقاءات أو اختبارات قبل بداية العام للطلاب الذين يودون أن يحضروا محاضرات المواد معهم على مدار العام لاختيار الطلاب المتفوقين، الأمر الذى يساعد المدرس على بناء «سُمعة» على حد تعبيرها، فضلاً عن الخبرة التى من شأنها أن تساعد المدرس فى توقع شكل الورقة الامتحانية «أنا بقالى 31 سنة مدرسة، وأقدر لو بصيت على امتحانات السنين السابقة أتوقع بعض الأجزاء فى الامتحان».
سلمى، طالبة فى الثانوية العامة بالشعبة الأدبية، قررت أن تكتفى بحضور محاضرات المواد التى تدرسها على مدار العام، مضربةً عن مراجعات «ليلة الامتحان» مقابل ساعات من المرور على النقاط الأساسية فى المنهج، وساعات من النوم المستغرق الخالى من القلق والتوتر والكافى ليلة الامتحان. تعلل سلمى قرارها بالإضراب عن حضور المراجعات النهائية: «ملهاش لزوم، مفيش حد يعرف مضمون ورقة الامتحان، والمدرسين بيكونوا عاوزين يلموا فلوس فى آخر السنة، لكن محدش بيستفيد».