احتفل أصدقاء ومحبو فرج فودة بالذكرى الرابعة والعشرين لاستشهاده على أيدى الجماعة الإسلامية وخلال المحاكمة وضح أن قاتليه كانوا لا يعرفون شيئاً عنه، ولم يقرأوا له كلمة واحدة، وقد أفرج مرسى عن أحد قاتليه، وهو الآن يحارب فى صفوف داعش فى سوريا.
فرج فودة كان ليبرالياً علمانياً، وشارك فى تكوين حزب الوفد الجديد فى السبعينيات حين سمح السادات بتكوين الأحزاب ولكنه استقال حين تحالف الوفد مع الإخوان فى الانتخابات البرلمانية وقال إن التحالف مع الإخوان هو إهدار لكل قيم الوفد المدنية ونهاية لمستقبله كحزب مدنى كبير.
وقد تبنى الإسلاميون نظرية أننا هزمنا فى 1967 حين ابتعدنا عن الإسلام فى عهد عبدالناصر وانتصرنا حين عدنا إلى الإسلام فى عهد السادات. وكان فرج فودة واضحاً بأننا هزمنا بسبب جهلنا بالحضارة الحديثة وعدم استخدام جيشنا لوسائل التدريب المتقدمة وافتقاد العزيمة الوطنية وأننا انتصرنا حين تغير الجيش إلى تدريب وخطط متقدمة وعادت العزيمة. ورفض تماماً الفكرة التى روجها الدعاه بأننا انتصرنا لأن الله أمدنا بجنوده وأن الملائكة حاربوا فى صفوفنا. وكان فرج فودة يؤمن بتقدير وإعلاء قيمة العقل والعمل، ورفض بشدة تعديل الدستور عام 1981 بحيث تصبح الشريعة الإسلامية «المصدر الرئيسى» بدلاً من «مصدر رئيسى» للتشريع وهذه لها أهمية بالغة، وكانت شجاعته بالغة ضد الجماعات الإسلامية المسلحة. وقد اتهم السادات بالمسؤولية عن نمو التيارات الدينية وكتب يقول إن الجماعات الإسلامية تكونت فى الجامعات على أيدى مباحث أمن الدولة وأمناء الحزب الوطنى فى الصعيد لمحاربة التيارات الناصرية واليسارية.
حاول فرج إنشاء حزب المستقبل ولكن النظام رفض. وفى عام 1992 نشر فى مجلة أكتوبر أن الصراع العربى الإسرائيلى فى طريقه للنهاية وأن الصراع سيتحول إلى إيران وحذر من صعود التيار الإسلامى فى السودان ودعا مبكراً إلى تأمين مصادر المياه ومنابع النيل ومساره، وكل ذلك ينبئ عن بعد نظر ثاقب.
فرج فودة يؤمن بأن جانباً هاماً من نجاح التيار الإسلامى سببه تكوينهم اقتصاد مواز لاقتصاد الدولة ممثلاً فى بيوت توظيف الأموال ومشروعاتهم الخاصة واخترقوا الإعلام فتضاعفت جرعة الدين أضعافاً مضاعفة.
وقد حاول تكوين جمعية الوحدة الوطنية الأهلية ورفضتها الحكومة وبعدها وقعت أحداث إمبابة الطائفية فكتب فى جريدة الأهالى: رعاع إمبابة هم صدى ضارب الدف وهو الإعلام المصرى وماسك الدف هو الأمن المصرى وصاحب الدف هو التيار الدينى السياسى فى مصر.
وقد قسم فرج فودة الإسلام السياسى إلى تيار تقليدى وهو الإخوان المسلمين وتيار ثورى وهى الجماعات المسلحة وتيار ثروى وهم أصحاب الأموال الضخمة من الذين عملوا فى السعودية. ويقول إن السعودية ترفض التيار الثورى لأنه لم ينشأ تحت عباءتها وتتراوح علاقتها مع التيار التقليدى (الإخوان) بين المودة والحذر ولكن السعودية تؤيد بقوه ما يعتبره فرج فودة أهم التيارات وهو تيار الثروة.
وقد اكتسب عداوة القوى الإسلامية لدراسته المتعمقة فى تاريخ الحكم الإسلامى وكذلك فى علوم القرآن والسنة ولذا كان قادراً على مواجهة الإسلاميين بمنتهى الحكمة والعقل مع معرفة دقيقة موثقة بالفقه والتفسير. ولذا لم يكن صعباً عليه أن يقول بحجة واضحة سليمة أنه لا يوجد نظام للخلافة الإسلامية وأوضح أنه لا شبهة فى فوائد البنوك. وكتب فى أمور أخرى شديدة الحساسية وقدم أحداث موثقة بقوة على جواز الاجتهاد فى وجود النص.
وقدم تعريفاً واضحاً للعلمانية بأنه الحكم المدنى الذى يستمد شرعيته من الدستور الذى يساوى بين كل المواطنين ويكفل حرية العقيدة دون محاذير أو قيود. نشر فرج فودة كتباً كثيرة هامة منها الكتاب الشهير «قبل السقوط» وهو من أوائل من حذر الوطن حكومة وشعباً من أن السقوط فى براثن الفاشية الإسلامية فى الطريق وهو ما حدث بعد عقود بسيطة وانتهى بحكم الإخوان.
وعن الجانب الشخصى فقد ربطتنى بفرج فودة معرفة وصداقة حين قدمنى له صديقى د. محمد شرف وتقابلنا كثيراً وحضرنا فى مختلف الجمعيات الثقافية ومن بينها جمعية المرأة العربية التى كانت ترأسها د. نوال السعداوى. وحين قبل المشاركة فى المناظرة الشهيرة مع كبار رجال الإخوان ومنهم المرشد العام كان فى منتهى الشجاعة وقال إنه لو قتل سوف يستمر فكره بدرجة أكبر وأكثر وهذا ما يهمه، وأصبت بالرعب حين اعتذر فى آخر لحظة اثنان من التيار العلمانى تحت ضغوط مختلفة وقرر هو الاستمرار وحده ضد ثلاثة من عتاة الإسلاميين.
يومها ذهبت إلى أرض المعارض فوجدت آلافا من شباب يرتدى الجلابيب ومعظمهم ذوى لحية طويلة والقاعة مقفولة من الزحام ووضعوا ميكروفونات فى الحديقة، استمعت إلى المناظرة وكان واضحا أن فرج فودة قد اكتسح التيار الإسلامى بينما الشباب الملتحى حاول يصفق ويهلل وتم طبع أشرطة فيديو وزعت فى مناطق الهرم ولكن تم استردادها حين اكتشفوا أن فرج فودة أقنع المشاهدين بوجهة نظره.
مات فرج شهيداً للوطن ولمستقبله ولوحدة شعب مصر من مسلمين وأقباط. مات فى سبيل الحرية لكل المصريين. مثل هؤلاء يموتون ولكن أفكارهم تبقى وتغير المستقبل.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك