من البخية الإسبانية لشوربة الضفادع الفرنسية «١-٢» عباس الطرابيلي السبت 11-06-2016 22:04

فى الطعام، هناك شعوب مسرفة أو مبذرة.. وهناك أخرى عكسها تماماً.. وتعرف هذه، أو تلك، من مخلفات مطبخها.. أو مائدتها.. وفى مصر نعرف الغنى من الفقير من صفيحة زبالته إن كانت للفقير صفيحة!!

والألمان أكثر شعوب الأرض حساباً لما يأكلون.. وربما هم من ابتدع شراء الطعام، خصوصاً الفواكه، فهم يشترون الموز بالواحدة.. وكذلك التفاح بل والبرتقال والمانجو والكيوى والكمثرى.. أما البطيخ فيشترونه بالقطعة وليس بالبطيخة، وكذلك الكنتالوب والشمام.. وهم يحرصون فى المطاعم العامة على أن يأكلوا كل ما فى الطبق أمامهم.. ولا يتركون حتى ولو حبة أرز فى الطبق.. فإذا احتاج إلى كمية أخرى.. قام فأحضرها.. ولذلك، فإن زبالتهم «الغذائية» لا تضم الكثير!!

مثلاً كنت فى مدينة درسدن، وكانت أكبر مدينة صناعية، بل عاصمة الفن والثقافة، خلال دراستى للصحافة فى ألمانيا منذ ما يقرب من نصف قرن، ومرة دعوت مترجمى من الألمانية للإنجليزية على الغداء.. وكان ذلك فى مطعم جريدة تاج بلات التى كنت أتدرب فيها، وبالفلوس.. لمحته بجوارى وهو يحاصر «حبة أرز واحدة» فيما بقى فى طبقه بالشوكة والسكينة.. وتابعت هذه المعركة، فسألته: لماذا كل ذلك؟ أجاب: ألم ندفع ثمنها.. لماذا نتركها؟! ومرة أخرى عرفت أن أستاذة بمعهد الصحافة فى برلين قد خرجت من المستشفى بعد شفائها، واشتريت صحبة ورد كبيرة وضخمة بمبلغ كبير جداً.. وذهبت للاطمئنان عليها.. دون سابق ميعاد.. وفتح لى زوجها الباب- وكنا فى الساعة السابعة مساء- ودخلت وجلست فى الأنتريه.. ولاحظت أنه كان يتناول طعام العشاء مع زوجته.. وكل ما قاله: آسف.. سأعود إليك بعد أن أكمل عشائى!! ولم يدعنى ولو شفاهة لمشاركته.. ولم يلح. أما زوجته- أستاذتى فى المعهد- فقالت وهى تتسلم الزهور: كتير قوى ده.. كان يكفى وردة واحدة للتعبير!! وجلسا يستكملان العشاء.. دون أى دعوة منهما!! والسر هنا هو أنهما لم يعملا حساب زيارتى لهما.. وبالتالى لم يعدا إلا شريحتين من اللحم وحبة بطاطس واحدة.. وورقتى خس أخضر عليهما نصف طمطماية.. لا غير!!

ونفس الشىء حدث معى مع أسرة أمريكية فى مدينة فنيكس عاصمة ولاية أريزونا، وكنت أحمل لها هدايا فاخرة من مصر، وكانت دعوة على العشاء.. ووجدت ٤ قطع لحم مشوية فى طبق الأسرة «كلها» وكنا أربعة أشخاص.. يعنى كل واحد قطعة!! وقارنوا ذلك بما نراه- ونقدمه- فى «العزايم» المصرية.. حيث الزحام الرهيب- ليس فقط فى المعازيم- ولكن فيما هو يزحم المائدة عدداً وكميات وتنوعاً لا يصدق!!