قرأ جون كاسن، سفير بريطانيا فى القاهرة، ما كتبته عن حصيلة أيام قضيتها فى لندن، وطلب أن يرانى، فرأيته فى بيته، وكنت أريد أن أسمع منه عن قضيتين اثنتين: الإخوان.. ثم السياحة، وقد سمعت على مدى ساعة ونصف الساعة!
أما السياحة البريطانية التى لاتزال ممنوعة من المجىء إلينا، بعد حادث الطائرة الروسية فوق سيناء، فتقديره أن الأمر فى حاجة إلى قرار سياسى من ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء، وأن «كاميرون» لن يستطيع اتخاذ مثل هذا القرار إلا بعد الانتهاء من معركة تملأ عليه حياته الآن، هى معركة البقاء البريطانى فى الاتحاد الأوروبى، أو الخروج منه.
إن استفتاءً سوف يجرى آخر هذا الشهر فى بريطانيا، سوف يكون كل بريطانى مدعواً خلاله إلى أن يسجل رأيه، فيما إذا كان يفضل البقاء فى الاتحاد أم الخروج منه.. ولا شىء فى الدنيا كلها يشغل كاميرون حالياً سوى هذه القضية، فهو يراها قضية حياته، وهى كذلك فعلاً، وفى ظن «كاسن» فإن رئيس الوزراء ربما سوف يكون عليه أن يستقيل من منصبه إذا ما جاءت نتيجة الاستفتاء ضد البقاء عضواً فى الاتحاد!
من جانبى عندما كنت فى لندن لاحظت أن هذه القضية هى الأولى على مستوى اهتمامات الرأى العام فى لندن، وخارجها، فلا قضية أخرى تنازعها فى وجدان البريطانيين بوجه عام، وفى كل يوم فإن استطلاعاً للرأى يروح، واستطلاعاً آخر يجىء، ولا يخلو الأمر، فى كل حالاته، من سباق محموم بين الذين يريدون البقاء ضمن 28 دولة فى داخل الاتحاد، والذين يريدون الرحيل، وقد وصل الأمر إلى حد أن تونى بلير، وجون ميجور، اللذين سبقا كاميرون رئيسين للوزراء، دخلا على الخط وصدر عنهما كلام صريح يدعوان فيه كل بريطانى إلى أن يصوت لصالح بقاء بلاده فى الاتحاد، لا خروجها أبداً، ثم راح كل منهما يصور للناخب البريطانى عواقب الخروج، ومزايا البقاء له كناخب، ثم لبلده فى العموم.
سألت جون كاسن: وما علاقة هذا كله بقرار عودة السياحة البريطانية إلينا؟
قال: هناك تيار لا بأس به فى بلادى يؤمن بأن ما أصاب الطائرة الروسية كان من الممكن أن يصيب طائرة إنجليزية، وبالتالى فإن عدد ضحايانا فى الحادث كان سيصبح أكثر، ولايزال أصحاب مثل هذا المنطق يضغطون على رئيس الوزراء فى اتجاه التخويف من أن أذى يمكن أن يصيب أى سائح بريطانى، فى أى رحلة، وفى أى مدينة.. ولأن رئيس الوزراء مصمم على ألا يخسر معركة الاتحاد الأوروبى، بأى ثمن، فهو لا يريد، ولا يستطيع، أن يجازف باتخاذ أى قرار قد يؤدى إلى خسارته معركة هى، كما قلت، معركة حياته كلها.
من ناحيتى، كنت أناقش هذا الأمر مسبقاً مع سفيرنا فى لندن ناصر كامل، وكان يشير وهو يحدثنى عن التفاصيل إلى أن استطلاعات الرأى حول رغبة الناخب البريطانى فى البقاء، أو الرحيل، عن الاتحاد، قد تأتى بنتائج متناقضة فى اليوم الواحد، وأن هذا هو ما يجعلها، كقضية، مسألة شديدة الأهمية لدى رئيس الوزراء!
طبعاً.. فى القضية أبعاد أخرى أشرت إلى بعضها عندما كتبت من لندن، غير أن هذا هو ما سمعته من جون كاسن، وناقشته فيه.. أما «الإخوان» فهى قضية أخرى!